الخامس: قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ}، ومعنى استقاموا: أدوا الفرائض، وانتهوا عن المحارم. فقال يحيى بن معاذ الرازي: استقاموا أفعالا مثل ما استقاموا أقوالا، وقيل: استقاموا على السنة. وقوله: ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة، يقال: البشارة عند الموت على خمسة أوجه، فعامة المؤمنين يقال لهم: لا تخافوا تأبيد العذاب، ويشفع لكم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والصالحون، ولا تخافوا فوات الثواب، وأبشروا بالجنة؛ يعني مرجعكم إليها. والثانية للمخلصين، يقال لهم: لا تخافوا رد أعمالكم فإنها مقبولة؛ ولا تحزنوا على فوات الثواب فإنه قد ضوعف لكم، والثالثة للتائبين، ويقال لهم: لا تخافوا من ذنوبكم، فإنها مغفورة لكم، ولا تخافوا فوات الثواب على ما فعلتم بعد التوبة. والرابعة للزاهدين، يقال: لا تخافوا حبس الحساب، ولا تحزنوا مخافة نقصان التضعيف، وأبشروا بالجنة بلا حساب ولا عذاب. والخامسة للعلماء الذين يعلمون الناس الخير، وعملوا بالعلم، يقال لهم: لا تخافوا أهوال يوم القيامة ولا تحزنوا؛ فإنه يجزيكم بما عملتم، وأبشروا بالجنة أنتم ومن اقتدى بكم. نقله أبو الليث السمرقندي. وروى البخاري عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يتبع الميت ثلاثة فيرجع اثنان ويبقى معه واحد، يرجع أهله وماله، ويبقى عمله (١)). ولله در القائل:
تزود قرينا من فعالك إنما … قرين الفتى في القبر ما كان يفعل
ولن يصحب الإنسان من بعد موته … إلى قبره غير الذي كان يعمل
السادس: قال الفقيه أحمد بن عيسي البجائي: أرواح العباد مأواها على أربعة أقسام: أما أرواح السعداء غير الشهداء، ففي عليين، وهو موضع في الجنة، وأما أرواح الشهداء فإنها تسرح في الجنة فتأوي إلى قناديل من نور تحت العرش، وأما أرواح من أراد الله إنفاذ الوعيد فيه من العصاة، ففي سجين مع أرواح الكفار. الوانشريسي: قال بعض الأشياخ: وفي إلحاق العاصي
(١) البخاري، كتاب الرقاق، الحديث: ٦٥١٤. - مسلم، كتاب الزهد والرقاق، الحديث: ٢٩٦٠.