تعالى، وتقصر يداه عن التصرف في ماله حاشا ثلثه، فيقل عمله ويطول ندمه، ومعنى فراغك قبل شغلك؛ يعني فراغه في آناء ليله وأطراف نهاره، فيقدم من الأعمال الصالحة ما يجده في يوم شغله وكربه. وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:(الشتاء غنيمة المؤمن، طال ليله فقامه، وقصر يومه فصامه (١))، فاغتنم ذلك، ومعنى: غناك قبل فقرك، أراد إن كنت راضيا بالذي أعطاك الله من القوت، فاغتنم ذلك، ولا تطمع في شيء مما في أيدي الناس.
الرابع: روي عن إبراهيم بن أدهم رحمه الله تعالى، أنه قيل له: لو جلست حتى نسمع منك شيئا، فقال: إني مشغول بأربعة أشياء لو فرغت منها لجلست لكم، قيل: وما هي؟ قال: إني تفكرت حين أخذ الله الميثاق من بني آدم، فقال عز وجل: هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي، وهؤلاء إلى النار ولا أبالي، فلم أدر من أي الفريقين كنت أنا؟ وتفكرت في الولد إذا قضى الله تعالى أن يخلقه في بطن أمه، ونفخ فيه الروح، ويقول الملك الموكل به: يا رب أشقي أم سعيد؟ فلم أدر كيف خرج جوابي في ذلك الوقت؟ والثالث: حين ينزل ملك الموت لقبض روحي، فيقول: يا رب مع أهل الإسلام أو مع أهل الكفر؟ فلا أدري كيف خرج جوابي في ذلك؟ والرابع: تفكرت في قول الله تعالى: {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ}، فلا أدري من أي الفريقين أكون؟ نقله أبو الليث السمرقندي.
وذكر عن عيسى صلوات الله وسلامه على نبينا وعليه أنه كان يحيي الموتي بإذن الله تعالى، فقال له بعض الكفرة: إنك قد أحييت من كان حديث الموت، فلعله لم يكن مات، فأحي لنا من كان مات في الزمن الأول، فقال لهم: اختاروا من شئتم، فقالوا له: أحي لنا سام بن نوح عليه الصلاة والسلام، قال: فأروني قبره، فجاء إليه، فصلى ركعتين، ودعا الله تعالى، فحيي سام، فإذا رأسه ولحيته قد ابيضا، فقال عيسى عليه الصلاة والسلام: ما هذا الشيب إن الشيب لم يكن في زمانك؟ قال: لما سمعت النداء ظننت أن القيامة قد قامت، فشاب رأسي ولحيتي من الهيبة، فقال عيسى: مذ كم أنت ميت؟ قال منذ أربعة آلاف عام، فما ذهبت عني سكرات الموت إلى الآن.