للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في قبره، ويكون مثله كمثل العروس تنام فلا يوقظها إلا أحب أهلها إليها، فتقوم من نومها كأن لم تشبع منه، وأن الكافر يضيق عليه قبره حتى تدخل أضلاعه في جوفه، ويرسل عليه حيات كأمثال أعناق البخت؛ فتأكل لحمه حتى لا تذر على عظمه لحما، ويرسل عليه ملائكة صم بكم عمي معهم فطاطيس من حديد؛ فيضربونه بها لا يسمعون صوته فيرحمونه، ولا يبصرون ما هو فيه فيرفعون عليه، ويعرض عليه مقعده من النار بكرة وعشيا (١)). وروى أبو الليث السمرقندي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (ما من ميت يموت إلا وله خوار تسمعه كل دابة عنده إلا الإنس والجن لو سمعه لصعق، فإذا انطلق به إلى قبره، فإن كان صالحا قال: عجلوا بي عجلوا بي لو تعلمون ماذا أمامي من الخير، وإن كان غير ذلك، قال: لا تعجلوا بي لو تعلمون ماذا أمامي (٢) وقوله: فطاطيس، الفطيس كسكين: المطرقة العظيمة، قاله في القاموس. وروى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدموني قدموني، وإن كانت غير صالحة، قالت: يا ويلها أين يذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق (٣))، نقله في الرياض.

الثالث: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه: (اغتنم خمسا قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك (٤)). وقد جمع صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث علما كثيرا، فقوله: شبابك قبل هرمك؛ أي أن الرجل يقدر على الأعمال في حال شبابه ما لا يقدر في حال هرمه؛ لأن الشباب إذا تعود المعصية شق عليه الامتناع في حال هرمه، فينبغي له أن يحمل نفسه في حال شبابه على طاعة الله تعالى لتسهل عليه في حال هرمه، وقوله عليه الصلاة والسلام: وصحتك قبل سقمك، معناه أن الصحيح نافذ الأمر في ماله ونفسه، فعليه بالجد في مصلحة أمره لآخرته، قبل أن يضعف عن طاعة الله


(١) تنبيه الغافلين لأبي الليث السمرقندي، ص ٢٨.
(٢) تنبيه الغافلين لأبي الليث السمرقندي، ص ٣٣.
(٣) البخاري، كتاب الجنائز، رقم الحديث: ١٣٨٥.
(٤) الإتحاف، ج ١٠ ص ٢٥٣.