للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إليه، وَالثَّانِي مَكْرُوه؛ وهو أن يقع لمن لا يتكبر ولا يتعاظم على القائمين إليه ولكن يخشى أن يدخل نفسه بسبب ذلك ما يحذر لما فيه من التشبه بالجبابرة، وَالثَّالِثُ جَائِزٌ؛ وهو أن يقع على سبيل البر والإكرام لمن لا يريد ذلك ويؤمن معه التشبه بالجبابرة، وَالرابعُ مَنْدُوبٌ؛ وهو أن يقع لمن قدم من سفر فرحًا بقدومه ليسلم عليه وإلى من تجددت له نعمة ليهنئه بحصولها أو مصيبة فيعزيه بسببها. انتهى.

وفي الشبراخيتي: أنه يستحب القيام للعالم والصهر والوالدين، ولمن نزل به سرور فيهنأ أوهم فيعزى، وفي البيان والتحصيل لابن رشد: سئل مالك عن قيام المرأة لزوجها؟ فقال: لا تفعله، وتؤدي حقه في غير هذا لا أحبه، وفيه أيضًا: أنه ذكر القرافي ما يفيد وجوبه في زماننا هذا مطلقاً، فإنه قال: ولقد حضرت عند الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه الله، وكان من أعلم العلماء وأولي الجد في الدين، غير مكترث بالملوك فضلاً عن غيرهم، لا تأخذه في الله لومة لائم، وقدم إليه فتيا ما يقول أئمة الدين وفقهم الله تعالى في القيام الذي أحدثه أهل زماننا مع أنه لم يكن في السلف، هل يجوز أم لا يجوز ويحرم؟ فكتب رضي الله تعالى عنه في الفتيا: قال رسول اللّد صلى الله عليه وسلم: (لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانا (١))، وترك القيام في هذا الوقت يؤدي إلى المقاطعة والمدابرة، فلو قيل بوجوبه ما بعد. انتهى. وقال في المدخل: قال بعض العلماء المتأخرين ممن كان يرى جواز القيام: هذا يعني حديث الترمذي المتقدم أقرب ما يحتج به للمنع، والجواب عنه من وجهين: أحدهما أنه صلى الله عليه وسلم خاف عليهم، وعلى من بعدهم الفتنة بإفراطهم في تعظيمه، كما قال: (لا تطروني (٢)). الحديث. فكره قيامهم له لهذا، ولم يكره قيام بعضهم لبعض، بل قام لبعضهم وقاموا لغيره بحضرته ولم ينه عن ذلك بل أقرهم وأمر به، واستدَلَّ بسبعة أحاديث.

أولها ما في البخاري (أن ناسا نزلوا على حكم سعد بن معاذ، فأرسل إليه صلى الله عليه وسلم، فجاء على حمار، فقال صلى الله عليه وسلم: قوموا إلى خيركم، أو قال: إلى سيدكم (٣)


(١) مسلم، كتاب البر والصلة، الحديث: ٢٥٦١. ولفظه: لا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تباغضوا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم الله.
(٢) البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، الحديث: ٣٤٤٥. مسلم،
(٣) البخاري، كتاب مناقب الأنصار، الحديث: ٣٨٠٤.