للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حنبل لإبراهيم الزهري، فقال له ابنه: شاب تعمل له هذا العمل. فقال: ألا أقوم لابن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه؟ وبقِيَامِ وكيع إلى سفيان، فأنكر عليه قيامه، فَاستَدَلّ بالحديث (إن من إجلال الله تعالى إجلال ذي الشيبة المسلم (١))، وبقِيَامِ بشر الحافي رضي الله عنه لرجل سلم عليه، وبما ذكره الإمام أبو عبد الرحمن السلمي، ويقوم لإخوانه إذا أبصرهم مقبلين ولا يقعد إلا بقعودهم. وأنشد:

فَلَمَّا بَصُرْنَا بهِ مُقبلا … حَلَلنا الحُبَى وابتدَرْنا القِيَاما

فلا تُنكِرنَّ قيامي له … فَإنَ الكَرِيمَ يُجِلُّ الكِرَاما

والجواب الثاني من الوجهين: أنه صلى الله عليه وسلم كان بينه وبين أصحابه من الأنس وكمال الود والصفاء ما لا يحتمل زيادة بالإكرام بالقيام، فلم يكن في القيام مقصود بخلاف غيره، فإن فرض صاحب الإنسان قريبًا من هذه الحالة فلا حاجة إلى القيام. انتهى.

وَأجَابَ صاحب المدخل عن الأول بأنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بالقيام إلى سعد لأن الذين أتوا به يمسكونه يميناً وشمالاً، فأمرهم بالقيام له لينزلوه وأمر جميعهم وإن كان يكتفى بالبعض منهم لأن إشارته صلى الله عليه وسلم وأمره من أكبر الخصوصية، فينكسر خاطر من لم يؤمر، وبأنه غائب والقيام للغائب مشروع، وبأنه صلى الله عليه وسلم أمرهم بالقيام له للتهنئة بما خصه الله به من هذه التولية، والقيام للتهنئة مشروع، قال: ودأب المحدثين النظر إلى فقه الحديث، فبوبوا عليه جملة من غير تفصيل والفقهاء يتعرضون لذلك، فعلى ما قاله ابن رشد في البيان يتخرج ما ورد في هذا الباب من الآثار ولا يتعارض شيء منها، وذلك أن ابن رشد قسم القيام للرجل على أربعة أوجه: محظور؛ وهو أن يعظم بالقيام من يحبه تكبرا وتجبرا على القائمين إليه، ومكروه؛ وهو أن يقام تعظيماً لمن لا يحب أن يقام إليه، ولا يتكبر على القائمين إليه فيكره للتشبه بفعل الجبابرة وما يخشى أن يدخله من تغيير نفس المقوم إليه، وجائز؛ وهو أن يقوم تعظيماً لمن لا


(١) أبو داود، كتاب الأدب، الحديث: ٤٨٤٣. ولفظه: إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالى فيه والجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط.