يريد ذلك ولا يشبه حاله حال الجبابرة ويؤمن أن تتغير نفس المقوم إليه لذلك، وهذه صفة معدومة إلا فيمن كان بالنبوءة معصوما؛ لأنه إذا تغيرت نفس عمر بالدابة التي ركبها فغيره أحرى، وَمَنْدُوبٍ؛ وهو أن يقوم لقادم من سفر فرحًا بقدومه أو لمصاب فيعزيه وما أشبه ذلك. وَيُحْمَلُ فعل طلحة على خصوصية كانت بينه وبين كعب؛ لأن السنة قد مضت أن التهنئة والبشارة تكون بين الناس على قدر المودة والخلطة والمعرفة، ولو كان قيامه للبر والإكرام لكان كل من جلس قد زهد في فعل الخير وتمالؤوا على تركه والنبي صلى الله عليه وسلم بين أظهرهم لم يرشدهم ولم يعلمهم وهو باطل، وَعَنِ الثَّالِثِ بأنه صلى الله عليه وسلم ندب إلى تنزيل الناس منازلهم وفاطمة بضعة منه فلا منزلة أعظم من منزلتها، وكانوا على ما هو معلوم من شظف العيش. ثم قال: وكيف يمكن أن يقعد على الأرض وهي على حائل؟ فاحتاجت إلى القيام من مجلسها حتى يقعد هو على الحائل وتقعد هي على طرف الحائل أو على الأرض، وَعَنِ الرابعِ بأن رداءه لم يسعهم، فقام للأخ ليوسع له لأنه أربعة أذرع ونحوها، ولو كان قيامه للبر والإكرام لكان الأب والأم أولى بذلك، وَعَنِ الخَامِسِ بأن القيام عند قدوم الغائب مشروع، وَعَنِ السادسِ بأن العالم إذا قام من مجلس العلم قام لقيامه من كان دائراً به لعبادتهم وحوائجهم، وبيوت النبي صلى الله عليه وسلم كانت إذ ذاكَ مفتحة إلى المسجد، والمسجد إذ ذاك في الصغر بحيث قد علم، والنبي صلى الله عليه وسلم في سرعة المشي كما علم، فما يمكنهم مع هذه الحالة أن يستووا قياماً إلا والنبي قد دخل في بعض بيوت أزواجه، وَعَنِ السابعِ أن قيامه صلى الله عليه وسلم كان لفتح الباب، وعماً بعده أن قيام أولئك الأئمة محمول على القيام الجائز والمندوب.
ثم قال: وَجَوَابُه الثاني يعطي أن من كان أقرب إليه كان أقل توقيرا لأجل الأنس وكمال المودة، وهذا خلاف الواقع، ألا ترى حديث ذي اليدين؟ قال فيه: وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه، ومن المعلوم أن الأولياء مطالبون بآداب لا يطالب بها العوام. انتهى. وفي الحديث:(من أحب أن يتمثل له الناس قياماً فليتبوأ مقعده من النار (١))، وَأجَابَ عنه المجيز للقيام بأن معناه
(١) أبو داود، كتاب الأدب، الحديث: ٥٢٢٩. ولفظه: من أحب أن يمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار. الترمذي، كتاب الأدب، الحديث: ٢٧٥٦. ولفظه: من سره أن يتمثل له الرجال .. إلخ.