للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولو ببلد الإسلام؛ يعني أن شهيد المعترك الذي قتله الحربيون لا يغسل، ولو قتل ببلد الإسلام؛ وهو الذي لا تصرف للعدو فيه، وأشار بلو لرد قول ابن شعبان: يغسل ويصلى عليه؛ لأن درجته انحطت عن درجة الشهيد الذي دخل بلاد العدو، والأول، أعني: ما مشى عليه المصنف هو قول ابن القاسم وابن وهب وأشهب، وهو ظاهر المدونة. ابن بشير: وهو المشهور.

أو لم يقاتل؛ يعني أن شهيد المعترك لا يغسل ولا يصلى عليه قاتل أم لا؛ بأن كان غافلا أو نائماً فمات فيهما بقتلهم، وكذا لو رجع سيفه أو سهمه عليه، أو حَمَل على العدو فتردى في بئر، أو سقط من شاهق جبل، أو سقط عن دابته، أو وجد ميتا ليس به أثر. كما مر. وقوله: "أو لم يقاتل"، قال الشارح: ظاهره ولو كان نائما وهو قول أصبغ وابن وهب وصححه ابن الجلاب. ابن يونس: وبه أقول، وقال ابن القاسم في العتبية: يغسل ويصلى عليه. وإن أجنب؛ يعني أن الشهيد لا يغسل ولو مات وهو جنب، وهكذا في النوادر عن أشهب وعبد الملك، وقال سحنون: يغسل ويصلى عليه والأول هو الأقرب، وإليه أشار بقوله: علي الأحسن. ابن ناجي: وهو الصحيح، وبه الفتوى.

واعلم أن ابن ناجي متأخر عن المصنف، وقوله: "على الأحسن"، قال فيه الشيخ محمد بن الحسن: رجح ابن رشد ترك غسل الجنب، فصوابه لو قال: ولو أجنب على الأظهر. انتهى. ومثل الجنب الحائض، ولا يغسل دم الشهيد لخبر: (زملوهم بكلومهم (١))؛ لأن الدم شهيد له، وأما ما عليه من نجاسة غير الدم فيزال وينزع ما عليه من جلد الميتة والخنزير إجماعاً. وفي الطراز: أما إذا كانت عليه نجاسة من غير دمه كالروث وشبهه فإنه يغسل، وقال بعضهم: لا يغسل اعتبارا بالجنابة، وما قلناه أظهر؛ لأن الأصل في النجاسة الإبعاد. وقوله: "وإن أجنب"، شاهده قضية حنظلة، قتل يوم أحد شهيداً ولم يغتسل، ويسمى حنظلة: الغسيل بين السماء والأرض؛ لأنه كان ألم بأهله حين خروجه إلى أحد، ثم وقع النفير فأنساه الغسل وأعجله عنه، فلما قتل شهيداً، (أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الملائكة غسلته (٢) وقال: (لقد رأيت


(١) إني أشهد على هؤلاء، زملوهم بكلومهم ودمائهم. مسند أحمد، ج ٥ ص ٤٣١.
(٢) البيهقي، كتاب الجنائز، ج ٤ ص ١٥.