للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومما قررت به قوله: "والأولى"، من أن معناه الأحق علم أنه يقضي له به، وليس المراد أنه مندوب كما لو أوصى أن يدفن بمكان فيجب أن يتبع، فلو دفن في غيره نقل ما لم تنتهك حرمته على ما تقدم، قاله الخرشي. ثم الخليفة؛ يعني أن الميت إذا لم يكن أوصى لأحد فإن الأحق بالصلاة عليه إمامًا هو الخليفة، والخليفة، هو أمير المؤمنين؛ أي فهو أحق بالصلاة إماما من الولي، لخبر: (لا يُؤَمُّ الرجل في سلطانه (١)). لا فرعه؛ يعني أن فرع الخليفة أي نائبه لا يكون أحق بالإمامة من الولي في الصلاة على الميت، وذلك كالأمير والقاضي ونحوهما. إلا مع الخطبة؛ يعني أن نائب الخليفة محل كونه لا يكون أحق بالإمامة من الولي إنما هو حيث لم يكن مولى على خطبة الجمعة وإمامتها، وأما إن كان مولى على إمامة الجمعة مع شيء آخر من أمور المسلمين فإنه يكون أحق بالإمامة من ولي الميت، فالقاضي مثلاً إنما يكون أحق بالإمامة من الولي إذا وكله الإمام على أن يكون إمامًا في الخطبة يخطب أي يتولى ذلك بنفسه، فإن وكل شخصا على صلاة الجمعة وخطبتها فإنه لا يكون أحق من الولي، ومثل القاضي غيره من النواب -كما قررت-.

فالحاصل أنه لا بد في الأحقية من اجتماع شيئين: التوكيل على إمامة الجمعة وخطبتها، مع التولية لأمر آخر كالقضاء والإمارة ونحوهما، فإن لم يكن إلا التوكيل على الإمامة فقط أو النيابة في غيرها فقط فلا يكون أحق من الولي بل الولي أحق منه. والله سبحانه أعلم. وقوله: "إلا مع الخطبة"، قال الشيخ عبد الباقي ما معناه: ظاهر تقريرهم أن المراد مباشرة إمامة الجمعة وخطبتها؛ لأن المراد توليته للغير كقاضي مصر، ويحتمل أنه مقدم. انتهى. وما مشى عليه المصنف من اشتراط اجتماع الأمرين المذكورين هو مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك في المدونة، وقيل: من له الخطبة والصلاة أولى من الولي وإن لم يكن إليه حكم، وقيل: إن القاضي أحق بها من الأولياء وإن لم تكن الصلاة إليه، وقيل: لا حق لواحد منهم سوى الأمير الذي تؤدى إليه الطاعة. قاله مطرف وابن الماجشون. قاله الحطاب.

ثم أقرب العصبة؛ يعني أنه إذا لم يوجد وصي ولا خليفة ولا نائبه بشرطه، فإن الأحق بالصلاة على الميت إمامًا أقرب أوليائه كما في ولاية النكاح، فيقدم ابن فابنه، واستحب اللخمي أن يقدِّمَ


(١) مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، الحديث: ٦٧٣. ولفظه: ولا يؤمن الرجل الرجلَ في سلطانه.