للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والله أعلم بالصواب قال الشيخ عبد الباقي فيه تصريح بجواز استعمال هذا اللفظ قيل مطلقا وقيل للإعلام بختم الدروس، وزعم بعض الحنفية أنه لا ينبغي استعماله لإيهامه الشك في الحكم الذي قبله ورد بأنه لا إيهام فيه بل فيه التعظيم المطلوب، وفي البخاري في قصة موسى (فعتب الله على موسى (١)). أي حيث سئل عن أعلم الناس فقال أنا إذ لم يرد العلم إليه، ورده إليه صادق بأن يقول الله أعلم وفي القرآن {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} قال علي: وابَرْدَها على كبدي إذا سئلت عما لا أعلم أن أقول الله أعلم. ولا ينافيه ما في البخاري (أن عمر سأل الصحابة عن سورة النصر فقالوا الله أعلم فغضب وقال قولوا نعم أولا (٢)) لتعين حمله على أنه فيمن جعل الجواب ذريعة إلى عدم إخباره عما سئل عنه وهو يعلم، وقد قال تعالى {قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ} أي ما أبصره وما أسمعه، وقال قتادة لا أحد أبصر من الله ولا أسمع وهذا فيه غاية الإجلال، ومثله ما أقدر الله وما أعلمه ولا يغتر بما ادعاه بعضهم من المنع نظرا لتقدير النحاة في التعجب لما فيه من معنى الجعل لأن تقدير النحاة بيان لمعناه في الأصل ثم نقل إلى إنشاء التعجب، ونحي عنه معنى الجعل فجاز استعماله في شيء يستحيل كونه لجعل جاعل، قوله فقلما يخلص مصنف إلى آخره؛ قال الحطاب: "ولقد صدق المص رحمه الله فلا يخلو مصنف عن ذلك" انتهى. وكلام المصنف مقتضب من آخر وجيز ابن غلاب فإنه قال: "ثم أعتذر لذوي الألباب من التقصير الواقع في هذا الكتاب" ثم قال: "ونحن نسأل بلسان التضرع والخضوع وخطاب الاعتراف والخشوع للمتصفحين هذا الكتاب أن ينظروا بعين الرضى والصواب" إلى آخر كلامه، وقديما خاف الناس من سقطة التأليف وخافوا من زلة التصنيف، حتى قيل من صنف فقد استهدف، ومن ألف فقد استقذف ومعنى استهدف جعل نفسه هدفا أي غرضا لمن يرميه بالعيب كما يرمى الغرض بالنبل، ومعنى استقذف طلب أن يقذف أي يرمى وهو قريب من الأول {ويقذفون من كل جانب دحورا} وهو مصدر دحره أي طرده، وكان بعض الشيوخ كثيرا ما يقول:


(١) البخاري، كتاب العلم، رقم الحديث: ١٢٢.
(٢) لم نطلع عليه بهذا اللفظ والذي اطلعنا عليه ما في البخاري: عن عبيد بن عمير قال قال عمر رضي الله عنه يوما لأصحاب النبى صلى الله عليه وسلم فيما ترون هذه الآية نزلت؟ {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ} قالوا الله أعلم فغضب عمر فقال قولوا نعلم أو لا نعلم. صحيح البخاري، كتاب التفسير، الحديث: ٤٥٣٨.