للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يطوفون تعجبا، يدخلون الجنة لا يخالطهم إلا المؤذنون المحتسبون (١)). وروى أبو نعيم عن أبي عمران الجوني أنه قال: ما من ليلة تأتي إلا تنادي: اعملوا فِي ما استطعتم من الخير فلن أرجع إليكم إلى يوم القيامة. وروي عن الغاز بن قيدر أنه يقول: ما من يوم يأتي إلا ويقول: أنا خلق جديد وعلى ما فعل فِيَّ شهيد، خذوا مني قبل أن أبيد، فإذا أمسى ذلك اليوم خر لله ساجدا، وقال: الحمد لله الذي لم يجعلني اليوم العقيم. وقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا} قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أتدرون ما أخبارها؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: أخبارها أن تشهد على كل عبد أو أمة عمل على ظهرها، تقول: عمل يوم كذا كذا وكذا، قال: فهذه أخبارها (٢)). وروى أبو نعيم عن معقل بن يسار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليس من يوم يأتي على ابن آدم إلا ينادي فيه: يا بن آدم أنا خلق جديد وأنا فيما تعمل غدا شهيد، فاعمل فِيَّ خيرا أشهد لك به غدا فإني لو قد مضيت لم ترني أبدا، ويقول الليل مثل ذلك (٣)).

واعلم أن المحاسبة بمشهد من النبيئين وغيرهم، قال الله تعالى: {وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ}، وقال تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا}. وشهيد كل أمة نبيها وقيل: إنهم كتبة الأعمال. وروى ابن المبارك عن سعيد بن المسيب أنه قال: ليس يوم إلا يعرض على النبيء صلى الله عليه وسلم أمته غدوة وعشية، فيعرفهم بسيماهم وأعمالهم، فلذلك يشهد عليهم. قال القرطبي: وقد جاء أن الأعمال تعرض على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ويوم الخميس، وعلى الأنبياء والآباء والأمهات يوم الجمعة -ولا تعارض- فإنه يحتمل أن يخص نبينا عليه السلام بالعرض كل يوم ويوم الجمعة مع الأنبياء، وعن سليمان بن راشد أنه بلغه أن امرءًا لا يشهد على شهادته في الدنيا إلا شهد بها يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، ولا يمتدح عبدا في الدنيا إلا امتدحه يوم القيامة على رؤوس الأشهاد.

واعلم أن الله تعالى يغفر لمن يشاء ويعفو عنه فيرضي عنه خصماءه، فقد روى القرطبي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: (فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم جالس إذ رأيته


(١) التذكرة، للقرطبي، ص ١٦٨.
(٢) الترمذي، كتاب تفسير القرآن، الحديث: ٣٣٥٣. النسائي في الكبرى، الحديث: ١١٦٩٣.
(٣) التذكرة، باب ما جاء في شهادة الأرض والليالي والأيام، ص ٢٥٩.