للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منظر ما أفْظَعَهُ وأهْوَلَهْ فتوهم نفسك، وقد قيل لك وللخلائق: اركبوا الجسر فطار قلبك فزعا ورعبا، فتوهم نفسك وقد رفعت إحدى قدميك لتركبه ووثبت بالأخرى لتستوي عليه، وقد أثقلتك أوزارك وأنت حاملها على ظهرك، وقد نظرت إلى الزالِّين والزالَّاتِ قد نكست رؤوسهم، وارتعدت على الصراط أقدامهم، ورمتهم الملائكة بالكلاليب فجذبتهم وهم يبكون وينادون بالويل والثبور، فتوهم ذلك بقلب فارغ وعقل جامع لِلْمَرِّ عليه، فإن أهوال يوم القيامة إنما خفت على الذين توهموها في الدنيا بعقولهم، فتحملوا في الدنيا الهموم خوفا من مقام ربهم فخففها عنهم يوم القيامة، فتوهم ذلك بقلب فارغ وهمة هائجة من قلبك بالرحمة لبدنك الضعيف، وارجع عما يكرهه منك مولاك إلى ما يرضاه عسى أن يرضى عنك، واستقِلْه عثراتك وابك من خشيته عسى أن يرحم عبراتك، فإن الخطر عظيم، والموت منك قريب، ومولاك مطلع على سريرتك وعلانيتك، فاحذر نظره إليك بالمقت والغضب، فإنه لا طاقة لك بغضبه، ولا صبر لك على عذابه. انتهى.

السابع: روى أبو بكر البزار عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الظلم ثلاثة: فظلم لا يغفره الله، وظلم يغفره، وظلم لا يتركه؛ فأما الظلم الذي لا يغفره الله فالشرك، قال الله تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}، وأما الظلم الذي يغفره الله فظلم العباد لأنفسهم فيما بينهم وبين ربهم، وأما الظلم الذي لا يتركه الله فظلم العباد بعضهم بعضا حتى يدين بعضَهم من بعض (١)). وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: لَتُؤَدُّنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجماء من الشاة القرناء (٢))، وذكر أبو بكر الشافعي من حديث أبي ذر رضي الله عنه، قال: (رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاتين تَنْتَطِحان فقال: يا أبا ذر هل تدري فيم تنتطِحَان؟ قلت: لا أدري، قال: لكن الله يدري وسيقضي بينهما، وقال: يقتص للخلق بعضهم من بعض حتى الجماء من القرناء وحتى للذرة من الذرة (٣)). وقضية هذه الأحاديث أن لا يتوقف القصاص يوم القيامة على التكليف والتمييز، فيقتص من الطفل للطفل وغيره. قاله المحلي عند قول ابن السبكي: وله سبحانه إثابة العاصي وتعذيب


(١) مجمع الزوائد، ج ١٠ ص ٣٥١.
(٢) مسلم، كتاب البر والصلة، الحديث: ٢٥٨٢. بلفظ: "الجلحاء" بدل "الجماء".
(٣) مجمع الزوائد، باب ما جاء في القصاص، ج ١٠ ص ٣٥٥.