للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسكن حذرك وحقق أملك وأيقنت بفوزك ونعيمك؟ وتوهم نفسك وقد فرحت بوجه حل به الكمال والجمال والحسن، كتابك في يمينك أخذ بضبعيك ملك ينادي على رؤوس الخلائق: هذا فلان بن فلان سعد سعادة لا يشقى بعدها أبدا، لقد شهرك الله سبحانه. جميع خلقه، وحقق حسن الظانين بك، وإن في هذه المنزلة غدا على رؤوس الخلائق لعوضا من المنزلة عند العباد بطاعتك والتصنع لهم في الدنيا، فإن زهدت في التصنع بطلب المنزلة عندهم بطاعة ربك وعاملته وحده عوضك المنزلة الكبرى على رؤوس الخلائق، فشهرك برضائه عنك وولايته إياك، فتوهم نفسك وأنت تتخطى الرقاب كتابك في يمينك بجمال وجهك ونوره، وفرحة قلبك وسروره، وقد شخصت الأبصار إليك، وغبطك ذلك الجمع فليعظم في ذلك أملك، فإنه إن تفضل عليك بذلك نلت الدرجة العليا، وإن كان غير ذلك فإني أخاف أن يقول لك: عبدي أنا عليك غضبان فلن أغفر لك عظيم ما أتيت، ولن أتقبل منك ما عملت، وأن يقول لك عند بعض ذنوبك العظيمة: وعزتي وجلالي لا تذهب بها مني، فتوهم نفسك إن لم يَعْفُ وقد قالها لك، وأمر الزبانية فابتدرتك بفظاظتها غضبا لغضب الله تعالى، مقربون إليه بالعنف وإدخال الذل والهوان عليك، فتوهم نفسك وأنت في أيديهم ذليلا موقنا بالهلاك وهم ذاهبون بك إلى النار، وقد اسود وجهك وأنت تنادي بالويل والثبور، وقد فضحك الله عند خلقه وعند من آثرته عليه بالمعاملة ورضيت بحمده على طاعة ربك عوضا من حمده، فتوهم ذلك واذكر هلذا الخطر وكن على حذر.

التاسع: روى القرطبي عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم: (الكتب كلها تحت العرش، فإذا كان الموقف بعث الله ريحا فَتُطِيرُهَا بالأيْمان والشمائل، أول خط فيها: {اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا} (١))، وروى الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات، فأما عرضتان فجدال ومعاذير (٢))، الحديث، ورواه ابن ماجة وأبو بكر البزار أيضا عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: وأما الثالثة فتطاير الكتب يمينا وشمالا،


(١) التذكرة للقرطبي، ص ٢٢٧.
(٢) الترمذي، أبواب صفة القيامة، الحديث: ٢٤٢ ابن ماجه، كتاب الزهد، الحديث: ٤٢٧٧.