للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله به خيرا، قال: أعطوه مكان كل سينة، حسنة فيقول حين طمع: يا رب إن لي ذنوبا ما رأيتها ها هنا، قال: فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه، ثم تلا: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} (١))، هذا حديث صحيح، قاله الثعالبي.

وفي صحيح مسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يستر الله على عبد في الدنيا إلا ستره يوم القيامة (٢)). وروى: (من ستر على مسلم عورته ستر الله عورته يوم القيامة (٣) قال أبو حامد: فهذا إنما يرجوه عبد مؤمن ستر على الناس عيوبهم، واحتمل في حق نفسه تقصيرهم، ولم يحرك نفسه بذكر مساوي الناس، ولم يذكرهم في غيبتهم بما يكرهون لو سمعوه، فهذا جدير بأن يجازى بمثله يوم القيامة. وفي حديث بعد الكلام على المؤمن: (وأما الكفار والمنافقون فينادى بهم على رؤوس الخلائق: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين (٤)). وروى أبو نعيم في الحلية عن مجاهد في قوله تعالى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}، قال: عن كل شيء من لذة الدنيا.

العاشر: قال المحاسبي رحمه الله تعالى: توهم ذلَّتَكَ وانفرادك وغربتك في القيامة وغمومك وأحزانك في زحمة الخلائق أذلاء مصمتون بالذلة والمسكنة والرهبة فلا تسمع إلا همس أقدامهم وهم مقبلون نحو المنادي ساعين إليه بالذلة والخشوع، وقد اجتمعت الأمم من الإنس والجن حفاة عراة أذلاء قد نزع الملك من ملوكهم، ولزمهم الصغار بعد عتوهم والذلة بعد تكبرهم، ثم أقبلت الوحوش من أماكنها منكسة رؤوسها بعد توحشها من الخليقة وانفرادها ذليلة من هول يوم النشور من غير ريبة أتتها ولا خطيئة أصابتها حتى وقفت من وراء الخلائق بالذلة والانكسار للملك الجبار، وأقبلت الشياطين بعد تمردها وعتوها خاضعة ذليلة للعرض على الملك الديان حتى تكاملت عدة أهل الأرض من إنسها وجنها وشياطينها ووحوشها وسباعها وأنعامها وهوامها، تناثرت نجوم السماء من فوقهم وطمست الشمس والقمر فأظلما عليهم، وصارت سماء الدنيا من فوقهم ثم انشقت بغلظها وهي خمس مائة عام، فيا هول انشقاقها في سمعك، ثم ذابت حتى


(١) مسلم، كتاب الإيمان، الحديث: ١٩٠.
(٢) مسلم، كتاب البر والصلة، الحديث: ٢٥٩٠.
(٣) ابن ماجه، كتاب الحدود، الحديث: ٢٥٤٦. - والإتحاف، ج ١٠ ص ٥٦٩.
(٤) البخاري، كتاب التفسير، الحديث: ٤٦٨٥. مسلم، كتاب التوبة، الحديث: ٢٧٦٨.