للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صارت مثل الفضة المذابة وهبطت الملائكة من حافاتها إلى الأرض بالتقديس لربها، فتوهم انحدارهم من السماء بعظم أجسادهم، وهول أصواتهم، وشدة فرقهم من خوف ربهم، فتوهم فزعك وفزع الخلائق عند نزولهم مخافة أن يكونوا قد أمروا بهم فأخذوا مصافهم محدقين بالخلائق منكسي رؤوسهم لعظم هول يومهم، قد تسربلوا أجنحتهم ونكسوا رؤوسهم بالذلة والخشوع لربهم، وكذلك ملائكة كل سماء إلى السماء السابعة قد أضعف كل أهل سماء على أهل السماء الذين قبلهم في العدد وعظم الأجسام والأصوات، حتى إذا وافوا الموقف أهل السماوات السبع والأرضين السبع كسيت الشمس حر عشر سنين، ثم أدنيت من الخلائق قاب قوسين فلا ظل ذلك اليوم إلا ظل عرش رب العالمين، فكم بين مستظل بظل العرش وبين واقف لحر الشمس قد أصهرته واشتد فيها كربه وقلقه، وقد ازدحمت الخلائق وتضايقت وانقطعت الأعناق من العطش، قد اجتمع عليهم في مقامهم حر الشمس ورهج أنفاسهم وتزاحم أجسامهم، ففاض العرق منهم على وجه الأرض ثم على أبدانهم على قدر مراتبهم ومنازلهم عند ربهم من السعادة والشقاوة، فمنهم من يبلغ منه العرق إلى منكبيه وحقويه وإلى شحمة أذنيه، ومنهم من قد ألجمه العرق وكاد يغيب فيه، فتوهم نفسك في ذلك الموقف فإنك لا محالة واحد منهم، وتوهمها إذا علاك العرق وأطبق عليك الغم وضاقت نفسك وأنت منتظر لفصل القضاء إلى دار السعادة أو دار الشقاء -نجانا الله من سخطه- حتى تكون من رؤوسهم قاب قوس أو قوسين، فتعطى حر عشر سنين وليس على أحد طحربة ولا ترى فيه عورة مؤمن، ولا مؤمنة، ولا يضر حرها يومئذ مؤمنا ولا مؤمنة، وأما الآخرون أو الكفار فتطبخهم فإنما تقول أجوافهم: غِقْ غِقْ، قال نعيم: الطحربة الخرقة، ورواه هناد بن السري بسنده عن أبي عثمان النهدي عن سليمان، فذكره سواء إلا أنه قال: ولا يَجِد بَدَلَ وَلا يضر، وقال: وأما الكافرون أو الآخرون فتطبخهم طبخا حتى يسمع لأجوافهم غِقْ غِقْ. ورواه أبو بكر بن أبي شيبة. وقال: حتى تقول أجوافهم غرغر، فإذا رأوا ما هم فيه، قال بعضهم لبعض: أما ترون ما أنتم فيه ائتوا أباكم آدم فيشفع لكم، الحديث. وقد مر. قال القرطبي: قوله لا يضر حرها مؤمنا ولا مؤمنة، ليس على عمومه، وإنما المراد -والله أعلم- لا يضر مؤمنا كامل الإيمان، ومن استظل بظل عرش الرحمان، كما جاء في الحديث. وقال بعض السلف: لو طلعت الشمس على