للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأرض على هيئتها يوم القيامة لأحرقت الأرض وذابت الصخور وتنشفت الأنهار، وقال الغزالي: وكيف لا يكون القلق وقد قربت الشمس حتى لو مد أحدهم يده لنالها ويضاعف حَرُّهَا سبعين مرة؟ انتهى. فسبحان الذي حبس أرواحهم مع هذا البلاء العظيم، أعاذنا الله منه بجاه نبيه محمد الكريم صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم أفضل الصلاة والتسليم. وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعا، ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم (١)) قال ابن أبي جمرة رضي الله عنه: وهذه إشارة إذا نظرناها يزيد المرء بها تهويلا وتعظيما؛ وهو أنه أخبر صلى الله عليه وسلم: أن النار تدور بالمحشر كالخاتم بالإصبع وأن الشمس ينقلب وجهها إلى الناس وتدنى من رؤوسهم حتى يكون بينها وبينهم قدر الميل) (٢)؛ وهو المرود الذي تكتحل به العين، فانظر كيف تكون حرارة تلك الأرض التي يكون الناس عليها؟ وماذا عسى أن يرويها من العرق حتى يبلغ منها سبعين ذراعا ثم بعد ذلك يلجمهم؟ وكيف تكون حرارته؟ فسبحان الذي حبس أرواحهم مع هذا البلاء العظيم، أعاذنا الله منه. انتهى.

وقال عبد الحق: فتفكر في المجتمع، وكيف يقومون على أقدامهم قد جمعوا جمع النبل في الكنانة؟ وقد انشقت السماء فوقهم وذابت عليهم وسالت على رؤوسهم فطاشت الألباب وذهلت العقول، فيا له من هول تنهد منه الجبال. وقد جاء أن ثم من لا يحضر تلك المواطن مثل الشهداء؛ لأنه قد جاء أنهم يقومون من قبورهم إلى قصورهم، ومنهم الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، وَمَا جاء في حقهم أَنّهُم على كراسي وفي ظل عرش الرحمان، وأن العلماء هناك دون الأنبياء بدرجة، والصديقين دونهم، وهذه كلها أخبار والخبر لا يدخله النسخ، ويجوز الجمع بين ذلك بأن تقول قوله صلى الله عليه وسلم: يعرق الناس هو حال الأغلب. ونقل الثعالبي عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (إذا كان يوم


(١) البخاري، كتاب الرقاق، الحديث: ٦٥٣٢.
(٢) رياض الصالحين للثعالبي (مخطوط).