واعلم أن كل ميت مات فقد قامت قيامته، وقال الحارث بن أسد المحاسبي رحمه الله: والعجب منك كيف تقر عينك أو يزايل الوجل قلبك، وقد عصيت ربك والموت لا محالة نازل بك بكربه وغصصه ونزعه وسكراته، فكأنه قد نزل بك، فتوهم نفسك وقد صرعت صرعة للموت لا تقوم منها إلا إلى المحشر إلى ربك، فتوهم نفسك إلى نزع الموت وسكراته وغصصه وكُرُبَاتِهْ، وقد استحث النزع وجذبت الروح وبلغ الكرب منتهاه، وقلبك وجل محزون منتظر للبشرى من ربك بالرضى أو بالسخط، فبينما أنت في كربك وغمومك وألم أوجاعك؛ إذ نظرت إلى صفحة وجه ملك الموت في أحسن صورة أو أقبحها، وقد تعلق قلبك لما يفجؤك؛ إذ سمعت صوته: أبشر يا ولي الله برضائه وثوابه، أو أبشر يا عدو الله بسخطه وعقابه، فتستيقن حينئذ بفوزك ونجاتك أو بعطبك وهلاكك، فتوهم نفسك حينئذ وقد استطار قلبك فرحا وسرورا، أو ملئ غما وحزنا، واذكر القبر بهول مطلعه وعظيم روعه، وسؤال الملكين فيه إياك عن إيمانك، فمُثَبَّتٌ من الله بالقول الثابت، ومُحَيَّرٌ شاك مخذول، وتوهم أصواتهما إذ يناديانك فتجلس لسؤالهما إياك، فتوهم جلستك في ضيق لحدك وشخوصك ببصرك إلى صورتهما، فإن رأيتهما في أحسن صورة حس قلبك بالفوز والنجاة، وإن كان غير ذلك حزن قلبك وحس بالهلاك والعطب، وتوهم إقبالهما عليك إن ثبتك الله بالسرور وانفراج جوانب قبرك واتساعه عليك، وقولهما لك عند ذلك باللين واللطف: انظر إلى ما صرف الله عنك من عذابه فيزاد قلبك فرحا وسرورا بسلامتك من النار وتوهم ضربهما بأرجلهما جوانب القبر وانفراجه عن الجنة بزينتها ونعيمها، وقولهما لك: انظر يا عبد الله ما أعد الله لك فهذا منزلك وإليه مصيرك، وتوهم سرور قلبك وفرحك عندما عاينت من نعيم الجنان أنك سائر إليها، وإن تكن الأخرى فتوهم قولهما لك: انظر إلى ما حرمك الله عند معاينتك للجنة وقولهما لك: انظر إلى ما أعد الله لك من النار فهذا منزلك ومصيرك فيزداد غمك وحزنك، وتوهم الفناء والبلى إذا انقطعت أوصالك في القبر وفنيت عظامك وبلي بدنك، ولم يبل الحزن أو الفرح من روحك، فروحك متطلعة عند القيام للنشور إلى رضاء الله وثوابه، أو إلى غضبه وعقابه، فيا حسرة روحك وغمومك، أو يا غبطة روحك وسرورك، حتى إذا تكاملت عدة الموتى فصاروا خامدين بعد