للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وانصدعت له الأكباد وتقطعت، ففي الخبر الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة، وإنما الأعمال بالخواتم (١))، وروي من طريق آخر وليس فيه فيما يبدوا للناس، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (جف القلم بما أنت لاق (٢) وقال عليه السلام: (رفعت الأقلام وجفت الصحف (٣))، ذكر هذه الأحاديث البخاري ومسلم والترمذي، وعند أحدهم ما ليس عند الآخر: فانظر رحمك الله كيف تقر عين عاقل في هذه الدار مع هذه الأحوال، وتوقع هذه الآمال. انتهى. ومن أجل هذا بكى سفيان وغير سفيان، وإنه للأمر الذي يبكى منه.

وقال عبد الحق رحمه الله تعالى: اعلم رحمك الله أن سوء الخاتمة -أعاذنا الله منه- لا يكون لمن استقام ظاهرد وصلح باطنه ما سمع بهذا ولا علم به -والحمد لله- وإنما تكون لمن كان به فساد في العقد، وإصرار على الكبائر، وإقدام على العظائم، فربما غلب ذلك عليه حتى ينزل عليه الموت قبل التوبة، ويثب عليه قبل الإنابة، ويأخذه قبل إصلاح الطوية فيصطلمه الشيطان عند تلك الصدمة، ويختطفه عند تلك الدهشة والعياذ بالله ثم العياذ بالله، أو تكون لن كان مستقيما ثم يتغير عن حاله ويخرج عن سننه ويأخذ في غير طريقه، فيكون ذلك سببا لسوء خاتمته وشؤم عاقبته والعياذ بالله {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ}. انتهى.

قال جامعه الفقير رحمه الله تعالى: ليت شعري ما إليه موئلي، وما إليه موردي وموعدي؟ وروى الثعالبي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، إنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قال حين يصبح الغداة: لا إله إلا الله الملك الحق المبين، كانت له أمانا من الفقر وأمانا من وحشة القبر، واستقرع باب الجنة واستجلب الغنى (٤)).

وقال عياض في المدارك: قال يحيى بن عمر: كان سحنون، يقول: ترك الحرام أفضل من جميع عبادة الله تعالى: وترك الحلال لله أفضك من أخذه، وإنفاقه في طاعة الله سبحانه، وقال: ترك دانق مما حرم


(١) البخاري، كتاب الجهاد والسير، الحديث: ٢٨٩٨. كتاب الرقاق، الحديث ٦٤٩٣. مسلم، كتاب الإيمان، الحديث: ١١٢.
(٢) البخاري، كتاب النكاح، الحديث: ٥٠٧٦.
(٣) الترمذي، أبواب صفة القيامة، الحديث ٢٥١٦.
(٤) رياض الصالحين (مخطوط).