لا ينافي جواز مجيء زوجته إليه وأكلها معه في المسجد وحديثها له؛ لأن المسجد وازع أي مانع من الوطء ومقدماته ولا وازع في المنزل.
واعلم أنه إن خرج لحاجة فلا يجاوز القريب الممكن فعله فيه، قال الشبراخيتي: فإن جاوزه بطل اعتكافه. وإن لغائط؛ يعني أنه يكره للمعتكف أن يدخل منزلة القريب من المسجد الساكن فيه وبه أهله وإن كان ذلك لأجل قضاء حاجة الإنسان من بول أو غائط، فإن لم يكن قريبا من المسجد إلى آخر ما مر، قال ابن نافع عن مالك: وإذا قرب منه كرهت له دخوله لحاجة الإنسان إلا أن يكون غير مسكون فيه. واشتغاله بعلم؛ يعني أنه يكره للمعتكف أن يشتغل بالعلم تعلما أو تعليما، قاله في المدونة، خلافا لابن وهب القائل: يجوز له سائر الأعمال المختصة بالآخرة، وقوله:"بعلم": أي غير عيني وإلا لم يكره، فإن قيل الاشتغال بالعلم غير العيني أفضل من صلاة النافلة فلم كره هنا واستحبت هي والذكر والقرآن؟ فالجواب أنه يحصل بالنافلة وما في حكمها ما شرع الاعتكاف له من رياضة النفس وخلوصها من صفاتها المذمومة غالبا، وذلك لا يحصل بالعلم، وقوله:"واشتغاله بعلم"، قال محمد بن الحسن: ابن رشد: هذا مذهب ابن القاسم. وروايته عن مالك الذي يرى أن الاعتكاف يخص من أعمال البر بذكر الله تعالى وقراءة القرآن والصلاة، وأما على مذهب ابن وهب الذي يبيح للمعتكف جميع أعمال البر المختصة بالآخرة، فتجوز له مدارسة العلم وعيادة المريض في موضع معتكفه، والصلاة على الجنائز إذا انتهى إليه زحام الناس، ويجوز له أن يكتب المصاحف للثواب لا ليتمولها ولا على أجرة يأخذها، بل ليقرأ فيها وينتفع بها من احتاج لها. انتهى من رسم شك من سماع ابن القاسم، وهو يدل على أن كتب المصحف لا يباح للمعتكف على المشهور.
تنبيه: اعلم أن العلم إما قديم وإما حادث، الأول علم الله تعالى وهو صفة وجودية قائمة بذاته تعالى، واحدة متعلقة بكل معلوم موجود ومعدوم، قديمة بقدم ذاته، باقية ببقائها، مخالفة لعلمنا كسائر صفاته تعالى، موجبة له تعالى كونه عالما. والثاني علم الحادث، وينقسم -سواء كان تصورا أو تصديقا- إلى ضروري ونظري، وقد يقال: ضروري وكسبي أو بديهي وكسبي، أما الضروري فيفسر بما يحصل للنفس بلا اختيار، ويقابله الكسبي وهو العلم الحاصل عن كسب العبد