للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(شهر رمضان شهر الله (١))، ولنزول القرآن فيه. وبالعشر الأواخر؛ يعني أنه يتأكد ندب الاعتكاف بالعشر الأواخر من رمضان لمواظبته صلى الله عليه وسلم على الاعتكاف فيه في أكثر الأمر، وعلل المصنف ذلك بقوله: لليلة القدر؛ أي الشرف والعظم؛ يعني أنه يتأكد ندب الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان ليوافق اعتكافه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر وأنزل الله فيها القرآن جملة إلى سماء الدنيا، ثم نزل مفرقا على حسب الوقائع في عشرين أو ثلاث وعشرين سنة. الغالبة به؛ أي بالعشر الأخير؛ يعني أن ليلة القدر يغلب وجودها بالعشر الأخير من رمضان، (وكان عليه الصلاة والسلام إذا دخل العشر الأخير من رمضان يوقظ أهله كل ليلة (٢))؛ لأجل طلب ليلة القدر الغالب كونها به.

وقوله: "القدر"، بسكون الدال وفتحها جائز أي الشرف والعظم، ومعنى قوله تعالى: {خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ}، أن العمل فيها خير من العمل في ألف شهر، فتكون الركعة فيها خير من ثلاثين ألف ركعة في غيرها، وكذلك سائر أنواع البر وشهود مغربها وعشائها، وخصت بها هذه الأمة لقصر أعمارها ليحصل فيها لهم ما يحصل في الأعمار الطويلة لطفا بها، وجاء (أنه صلى الله عليه وسلم اعتكف العشر الأول فأتاه جبريل، فقال: إن الذي تطلب أمامك فاعتكف العشر الأواسط فأتاه جبريل، فقال: إن الذي تطلب أمامك فاعتكف العشر الأواخر (٣)) وقيل في تسميتها: بليلة القدر وجوه أحدها أنها ليلة تقدير الأمور والأحكام، قال عطاء عن ابن عباس: إن الله تعالى قدر ما يكون في تلك السنة من رزق وإحياء وإماتة إلى مثل هذه الليلة، وقيل: القدر الضيق لأن الأرض تضيق على الملائكة فيها، وقيل: القدر للفاعل من أتى فيها بالطاعة كان ذا قدر وشرف، وقيل: نزل فيها كتاب ذو قدر وشرف عظيم، وقيل غير ذلك.

واعلم أن الله تعالى لا يحدث بقدرته في هذه الليلة ما لم يكن قدره؛ لأن الله تعالى قدر مقادير الخلائق في الأزل، ولكن المراد إظهار تلك المقادير للملائكة في تلك الليلة لتكتبها في اللوح المحفوظ، وهذا هو الحق الذي لا شك فيه. والله سبحانه أعلم. انظر الصفدي.


(١) كنز العمال، رقم الحديث: ٢٣٦٨٥.
(٢) البخاري، كتاب فضائل ليلة القدر، الحديث: ٢٠٢٤. مسلم، كتاب الاعتكاف، الحديث: ١١٧٤.
(٣) البخاري، كتاب الأذان، الحديث: ٨١٣.