للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي كونها بالعام أو برمضان خلاف؛ يعني أنه اختلف في ليلة القدر، هل هي في جميع العام بمعنى أنها لا تختص برمضان، بل هي دائرة في ليالي العام، وهو مذهب مالك وابن مسعود، أو هي خاصة برمضان لقوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ}، وشهره ابن غلاب.

واعلم أن الصحيح وهو مذهب الجمهور أن ليلة القدر لم ترفع بعد النبي صلى الله عليه وسلم، بل هي باقية لأمته إلى يوم القيامة، لقوله صلى الله عليه وسلم: (التمسوها في العشر الأواخر (١))، فلو كانت ارتفعت لم يأمر عليه الصلاة والسلام بالتماسها، وشهر في التوضيح أنها في العشر الأواخر، وقال: إنه المذهب عند الجمهور، وأنها تدور في العشر لأن الأحاديث في هذا الباب صحيحة ولا يمكن الجمع بينها إلا على ذلك. انتهى. قاله الشيخ عبد الباقي وغيره.

وانتقلت، قد تقدم أنه قال: وفي كونها بالعام أو برمضان خلاف؛ يعني أن ليلة القدر لا تختص بليلة، بل هي تدور على كل من القولين، أعني القول بكونها بالعام، والقول بكونها برمضان، وكون ليلة القدر تنتقل ولا تختص بليلة هو مذهب مالك والشافعي وأحمد وأكثر أهل العلم. ابن رشد: وهو أصح الأقاويل وأولاها بالصواب؛ وهو أولى من إعمال بعض الأحاديث واطراح بعض، فحديث أبي سعيد: أنها (ليلة إحدى وعشرين (٢))، معناه في ذلك العام بعينه، وكذا حديث عبد الله بن أنيس: (ليلة ثلاث وعشرين (٣) وأبي: (سبع وعشرين (٤) وعبر بالفعل في قوله: "وانتقلت"، إشارة إلى أن ذلك واقع.

وبما قررت علم أن معنى قوله: "وانتقلت"، أنها لا تختص بليلة على كل من القولين، فعلى القول بأنها دائرة في ليالي العام تكون في بعض الأعوام ليلة إحدى وعشرين من رجب مثلا، وفي عام آخر تكون ليلة إحدى وعشرين من رمضان مثلا، وعلى القول بأنها خاصة برمضان تأتي في عام ليلة إحدى وعشرين من رمضان، وفي عام آخر تكون ليلة تسع وعشرين من رمضان مثلا، وقوله: "وانتقلت"، ذهب قوم إلى أنها معينة أبدا ولا تنتقل وهي غير معروفة، وأنها في العام كله


(١) البخاري، كتاب فضائل ليلة القدر، الحديث: ٢٠٢١.
(٢) البخاري، كتاب فضائل ليلة القدر، الحديث: ٢٠١٨.
(٣) الموطأ، كتاب الاعتكاف، الحديث: ٧٠٤
(٤) أبو داود، كتاب الصلاة، الحديث: ١٣٧٨.