ذاتِيَّ الحج من الطواف إنما هو طواف الإفاضة، لقوله تعالى:{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ}، وقوله: وسعي، عطف على طواف، وقوله: كذلك؛ أي مثل الطواف المذكور بصفته وهو طواف ذي طهر أخص لخ، وقوله: لا بقيد وقته، أخرج به خصوص طواف الإفاضة المذكور، وأفاد به أن السعي إنما يشترط فيه حصول طواف قبله، وقوله: يلزمها وقوف بعرفة، لا يخفي أن لزوم الوقوف ليس جزءا من ماهية الحج، بل هو أمر خارج عنها، والذي هو جزؤها فعل الوقوف، وقوله: بإحرام في الجميع، يقتضي أنه لا بد لكل ركن من إحرام يخصه، ويحتمل أن إحرام الأركان لما كان مندرجا في إحرام الحج صار بذلك الإحرام للجميع. قاله الشبراخيتي. والباء في بإحرام بمعني مع، وهذا الذي عرفه ابن عرفة هو الحج الأكبر، وهو المشار إليه كما تقدم بقوله عز وجل:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ}.
وأما العمرة؛ وهي الحج الأصغر كما مر. فهي في اللغة: الزيارة، يقال: اعتمر فلان فلانا زاره، ولذا كان ابن عباس لا يرى العمرة لأهل مكة لأنهم بها، فلا معنى لزيارتهم إياها. قاله الحطاب. المازري: الاعتمار لزوم الموضع، وقال آخرون: معنى الاعتمار والعمرة: القصد، قال الشاعر:
أراد حين قصد، وفي الشرع زيارة البيت على وجه مخصوص، أو تقول عبادة يلزمها طواف وسعي فقط مع إحرام، وقلنا فقط ليخرج الحج،
وعرفها بعضهم بأنها: عبادة ذات طواف ذي طهر أخص بالبيت عن يساره سبعا بعده سعي من الصفا للمروة ومن المروة للصفا سبعا، ولما كان الحج والعمرة أحكامهما لا تنحصر، أشار إلى ما ظهر له منها بقوله: فُرِضَ الحَجُّ، قوله:"فرض" فعل مركب، ونائبه "الحج"، ومعنى فرض أنه أوجبه الله تعالى، بمعنى أنه يثاب على فعله ويعاقب على تركه؛ أي يترتب العقاب على تركه؛ يعني أن الحج فرض عين وهو واجب وجوب عين كتابا وسنة وإجماعا، فمن جحده كفر واستتيب على ما تقرر في حكم المرتد، ومن تركه مستطيعا فالله حسيبه. قاله في الرسالة. أي لا يتعرض له، وقال القاضي عياض: وُعِظَ وَزُجِرَ وَوُبِّخَ، وقال بعض العلماء: إنه يقتل. والله أعلم.