للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأنكرت الملحدة الحج، وقالت: إن فيه التجرد من الثياب وهو يخالف الحياء، وفيه السعي وهو يخالف الوقار، ورمي الجمار لغير مرمي فصاروا إلى أن هذه الأفعال كلها باطلة؛ إذ لم يعرفوا لها حكمة، وجهلوا أنه ليس من شرط العبد مع المولى أن يفهم المقصود بجميع ما يأمره به، ولا أن يطلع على فائدة تكليفه، وإنما يتعين عليه الامتثال ويلزمه الانقياد من غير طلب فائدة، ولا سؤال عن مقصود، ولهذا كان قوله عليه الصلاة والسلام: [لبيك حقا حقا لبيك تعبدا ورقا] (١)). انظر الحطاب.

وسنت العمرة، قوله: "سنت"، فعل مركب، ونائبه: "العمرة"، والجملة عطف على الجملة قبلها؛ يعني أن العمرة سنة مؤكدة آكد من الوتر، وقال مالك في الموطإ: العمرة سنة ولا نعلم أحدا من المسلمين أرخص في تركها، وقال ابن حبيب وأبو بكر بن الجهم: هي فرض كالحج، وبه قال الشافعي، وبه قال جماعة من أهل المدينة، والمشهور الأول لقوله عليه الصلاة والسلام: [الحج جهاد والعمرة تطوع] (٢)). رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وفي بعض الروايات: حسن صحيح، وقال عطاء: العمرة واجبة على الناس إلا على أهل مكة لأنهم يطوفون بالبيت، وأما قول الزركشي من الشافعية: كره مالك الاعتمار لأهل مكة والمجاورين بمكة، وقال: يا أهل مكة ليس عليكم عمرة إنما عمرتكم الطواف بالبيت وهو قول عطاء وطاووس، بخلاف غيرهم فإنها واجبة عليهم. انتهى. فقال الحطاب: هو غريب لا يعرف في المذهب عن مالك، ولا خلاف أن العمرة تجب بالنذر، ويجب إتمامها بعد الشروع فيها. والله أعلم. قاله الحطاب.

وقد رغب الشرع في العمرة في رمضان، وورد [أنها تعدل حجة أو حجة معه صلى الله عليه وسلم] (٣). ابن فرحون: أفضل شهورها رجب ورمضان. مرة، قال الشيخ محمد بن الحسن: لفظ مرة منصوب على أنه مفعول مطلق معمول للعمرة، ويقدر مثله للحج، فإن الحج والعمرة مصدران يحل أنْ والفعلُ محلَّهما؛ أي فرض أن يحج مرة وسن أن يعتمر مرة، ولا يعمل فيه فرض وسنت؛ لأنه يفيد أن الفرض والسنة وقعا من الشارع مرة، وليس بمراد لأن المفعول قيد في عامله، ويجوز نصب


(١) مجمع الزوائد، ج ٣ ص ٢٢٦. الإتحاف، ج ٤، ص ٣٣٧.
(٢) ابن ماجه، كتاب المناسك، الحديث: ٢٩٨٩.
(٣) مسلم، رقم الحديث: ١٢٥٦. الترمذي، كتاب الحج، الحديث: ٩٣٩.