للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مرة في العمر هو المعروف من مذاهب العلماء، فحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: [خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا أيها الناس إن الله فرض عليكم الحج، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه] (١))، رواه مسلم.

وفي طريق ابن عباس عن النسائي: [لو قلت نعم لوجبت ثم إذًا لا تسمعون ولا تطيعون ولكنها حجة واحدة] (٢) وذكر الفاكهاني أنهم لما سألوا عن ذلك نزل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ}، [والرجل السائل هو الأقرع بن حابس] (٣) وقال بعض من شذ: إن الحج يجب كل سنة، وعن بعضهم أنه يجب في كل خمسة أعوام لحديث رووه في ذلك وهو ضعيف لا يلتفت إليه لشذوذه، قال الحطاب: قال النووي: هو خلاف الإجماع فقائله محجوج بإجماع من قبله، وعلى تسليم وُرُودِهِ فيحمل على الاستحباب والتأكيد في مثل هذه المدة، كما حمل العلماء الحديث الصحيح الآتي ذكره على ذلك، ولا يجب بعد المرة الأولى إلا أن ينذره أو يريد دخول مكة فيجب عليه الإحرام بأحد النسكين أو بهما، ويستحب الحج كل سنة لمن حج الفرض، ويتأكد ذلك في كل خمس سنين لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: [إن الله تعالى يقول إن عبدا صححت له جسمه ووسعت عليه في المعيشة تمضي عليه خمسة أعوام لا يفد إلي لمحروم] (٤)). رواه ابن أبي شيبة وابن حبان في صحيحه، قال ابن فرحون في مناسكه: قال العلماء: هو محمول على الاستحباب والتأكد في مثل هذه المدة، وهذا ما لم يؤد إلى إخلاء البيت عمن يقوم بإحيائه في كل سنة، فإنه يجب إحياؤه فرضا على الكفاية كل سنة كما ذكره المصنف في باب الجهاد، حيث قال: كزيارة


(١) مسلم، كتاب الحج، الحديث: ١٣٣٧. وفيه: فإذا أمرتكم بشيء …
(٢) النسائي، كتاب المناسك، الحديث: ٢٦٢٠.
(٣) أبو داود، كتاب المناسك، الحديث: ١٧٢١. النسائي، رقم الحديث: ٢٦٢٠. ابن ماجه، كتاب المناسك، الحديث: ٢٨٨٦.
(٤) ابن حبان، كتاب الحج، ج ٦ ص ٦. رقم الحديث: ٣٦٩٥.