المراد بعلوقه ظهور أثره لا مجرد الرائحة فعلم من هذا أن الثوب لا يتنجس بمجرد ملاقاته لدخان النجس، وأما الطعام فإنه يتنجس منه ما انعكس فيه دخان النجس، ورخص في الزبل بمصر للضرورة ورعيا للقول بأن النار تطهر وأن رماد النجس طاهر، وللقول بطهارة زبل الخيل وللقول بكراهته منها ومن البغال والحمير، وعلى أن دخان النجس طاهر تصح الصلاة قبل غسل الفم من الخبز المخبوز بالروث النجس ولو تعلق به شيء من الرماد، قال الشيخ عبد الباقي: والمذهب أن دخان النجس طاهر كرماده انتهى. ونحوه في الأمير أن الراجح طهارته وهذا هو الذي اختاره ابن رشد، وقال الشيخ محمد بن الحسن: الذي في الحطاب أن ظاهر المذهب نجاسة دخان النجاسة وهو الذي اختاره الطخيخي والتونسي والمازري وأبو الحسن وابن عرفة، قال بعضهم: وهو المشهور انتهى. ويكفي هذا شاهدا للمص، وفي الحطاب بعد جلب نقول فتحصل من هذا أنه لا يوقد بالنجاسة لا على خبز، ولا على طعام، ولا على شراب، ولا لتسخين ماء فإن فعل ذلك ولم يصل من الرماد والدخان شيء إلى المطبوخ والمخبوز فهو طاهر، وإن وصل إليه شيء من الرماد فهو نجس أو من الدخان فنجس أيضا على ما مشى عليه المص خلافا لابن رشد، قال ابن عرفة اللخمي انعكاس دخان ميتة في ماء أو طعام ينجسه، وفي الحطاب: وأما إن كان ينعكس أي الدخان فإن الطعام لا يؤكل، والماء يتنجس انتهى.
وبول يعني أن البول من الآدمي نجس صغيرا أو كبيرا ذكرا أو أنثى أكل الطعام أم لا زالت رائحته أم لا لأن نجاسته لبوليته لا لتغيره، ولا وجه لا حكي عن ابن دقيق العيد شيخ ابن رشد من الخلاف في نجاسته إن زال تغيره ففيه قول بالطهارة قاله الشيخ الأمير والشيخ إبراهيم. قوله:"وبول" سواء كان كثيرا أو يسيرا يتطاير كرؤوس الإبر، وروي اغتفار ما تطاير كرؤوسها، وقال في مختصر ما ليس في المختصر: إلا بول من لم يأكل الطعام فإن الثوب لا يغسل منه (لقضية المرأة التي أتت بابن لها لم يأكل الطعام إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبال في حجره فدعا صلى الله عليه وسلم بماء فنضحه ولم يغسله)(١)، وقال ابن وهب يغسل بول الصبية وينضح بول الصبي،
(١) عن أم قيس بنت محصن أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره فبال على ثوبه فدعا بماء فنضحه ولم يغسله. صحيح البخاري، كتاب الوضوء، رقم الحديث: ٢٢٣.