بقوله:"وينتفع" فهو بيان لوجه الانتفاع بالمتنجس، يعني أن الشيء المتنجس إنما يباح الانتفاع به في غير المسجد فلا يبنى بالطين المتنجس اتفاقا لكن لو بنيت حيطانه بماء متنجس فإنه يصلَّى فيه ولا يهدم على الصحيح، ولا يستصبح بالمتنجس في المسجد إلا إن كان خارجه والضوء فيه، وفي الإعلام: وسئل ابن رشد عن مسجد بني بماء نجس هل يهدم أو يطين بطين طاهر فأجاب هذا الثاني هو الذي لا يصح غيره، والصواب غسل أوراق مصحف كتب بدواة وتبين بعد الفراغ أنه كان بها فأرة ميتة منذ بدئ حيث أمكن ذلك، وإن لم يمكن فقال بعضهم الواجب أن لا يقرأ فيه بل يدفن، وقال البرزلي لا يتحتم دفنه بل إن أراد محاه، ويدفنه في موضع طاهر أو يحرقه كما فعل عثمان رضي الله عنه، وقال بعضهم ينتفع به كذلك. كما أجيز لبس الثوب المتنجس في غير الصلاة وذكر الله طاهر لا يدركه شيء من الواقعات فإن لم يتيقن أن الفأرة فيه من الابتداء حمل على الطهارة، وفي الإعلام: وسئل بعضهم عمن كتب مصحفا ثم وجد فأرة ميتة في الدواة فأجاب إنما تحقق وجود ذلك قبل الكتب حفر له في الأرض ودفنه، ولا يقرأ فيه وإلا حمل على الطهارة، وفيه أيضا: وسئل الشاطبي عن كتاب أو مصحف تحل فيه نجاسة فأجاب: إن كان مما يعتمد عليه أو ليس ثم نسخة سواه أزيل ما قدر عليه من النجاسة ولا عبرة بالباقي كما فعل بمصحف عثمان الذي أصابه الدم وإلا غسل ما وصلته ويتلافى ما يتلف بغسله من غيره انتهى.
وآدمي عطف على قوله مسجد، يعني أن المتنجس إنما يباح الانتفاع به في غير المسجد كما تقدم وفي غير أكل الآدمي وشربه، وأما أكل الآدمي أو شربه للمتنجس فلا يحل كما لا يحل الانتفاع به في المسجد فتدهن به الدلاء ويعلف للدواب، وسواء في ذلك ما يؤكل لحمه وما لا يؤكل، ويجوز الاستصباح بالزيت، وعمله صابونا، والعسل المتنجس للنحل، ولبس الثوب المتنجس، والنوم إلا في حالة يعرق فيه فيكره إلى غير ذلك، وما ذكره المص هو المشهور ومقابله عدم جواز ذلك كله وهو قول ابن الماجشون، ولا يدخل في قوله:"وينتفع بمتنجس" البيع لما سيذكره، وأجاز ابن وهب بيعه إذا بين ذلك قوله:"لا نجس " يقتضي المنع من الانتفاع بالنجس مطلقا أما أكله والتداوي به في باطن الجسد أي الجوف فمتفق على تحريمه، وصرح بذلك ابن ناجي والجزولي وغيرهما، وحكى الزناتي فيما إذا استهلكت الخمر في دواء بالطبخ أو بالتركيب حتى تذهب