وقوله:"وفيها أكل ما دق عنقه"، هو رواية ابن القاسم عن مالك، وروى مطرف وابن الماجشون عن مالك أن اندقاق العنق من غير انقطاع نخاعه من المقاتل، وقد مر خلاف ابن رزق وابن مكي في الكرش، وذلك أنه اشترى رجل من الجزارين ثورا صحيحا في ظاهر الأمر، فذبحه فوجد كرشه مثقوبة، فوصل الأمر إلى صاحب الأحكام ابن مكي فشاور في ذلك الفقهاء، فأفتى أبو جعفر ابن رزق بأن أكلها جائز وبأن للجزار أن يبيعها، وأفتى ابن حمدين بأن أكلها لا يجوز وأمر بطرحها في الوادي، فرأى ابن مكي أن يأخذ بقول حمدين، فأمر الأعوان أن يطرحوها في الوادي، فأخذها الأعوان فذهبوا ليطرحوها في الوادى، فسمعت العامة والضعفاء أن الفقيه ابن رزق أفتى بأكلها، فغلبوا على الأعوان ونزعوها وتوزعوها.
ابن رشد: وما أفتى به ابن رزق هو الصواب. قاله الشارح.
قال جامعه عفا الله عنه: واتضح من هذا أن من ذكى فوجد منحوره أو مذبوحه مقطوع المصير أو مثقوبه أو به غير ذلك من إنفاذ المقاتل، ولم يعلم سبب ذلك أنه لا يؤكل ويجب طرحه وذلك واضح لا شك فيه، وما تقدم عند قوله:"إلا الموقوذة" لخ، يفيده صريحا أو عموما. والله سبحانه أعلم.
ولما أنهى الكلامَ على الحيوان الذي تقدم له في الخارج استقرار حياة، شرع في الكلام على ما لم يتقدم له ذلك وهو الجنين الخارج بعد ذبح أمه والخارج في حياتها، فأشار إلى الأول بقوله: وذكاة الجنين بذكاة أمه؛ يعني أن البهيمة إذا ذكيت فخرج من بطنها جنين ميت، فإنه يوكل عمالأ بقوله صلى الله عليه وسلم:(ذكاة الجنين ذكاة أمه (١))، والرواية المشهورة المعروفة: رفع ذكاة في الموضعين، قال التتائي: من حصر المبتدأ في الخبر، وقال النووي: الأول خبر والثاني هو المبتدأ على حد:
بنونا بنو أبنائنا ....
وروى بنصب الثانية، والتقدير أن يذكى ذكاة مثل ذكاة أمه، وعلى هذا الوجه حمله أبو حنيفة القائل بوجوب ذكاة الجنين، ورجحت الرواية الأولى بإنكار بعضهم للثانية، ولأن في ثبوتها