الموت بقوله: كقطع جناح؛ وإذا قلنا بافتقار الجراد للتذكية فلا يكفي أخذه على المشهور، خلافا لابن وهب القائل: إذا أخذت حية فماتت أكلت وإن لم يقصد إلى إزهاق روحها، بخلاف ما إذا وجدت ميتة فلا تؤكل، وإذا فرعنا على المشهور من أن ما لا يعجل تذكية فلا تؤكل الرجل المقطوعة ولا اليد ولا الجناح ونحوها، فإن صلق منها حي مع ميت أو صلق معه ما قطع منه من رجل ونحوها: فقال أشهب: يطرح الجميع وكله حرام، وقال سحنون: يؤكل الأحياء بمنزلة خشاش الأرض تموت في قدر، وخالف مطرف في الجراد، وقال: إنه لا يفتقر للذكاة، والصحيح من المذهب كما قال المص أن الخشاش لا يؤكل إلا بذكاة، وخرج بعض الشيوخ أكله بغير ذكاة على الخلاف في الجراد، وإليه ذهب القاضي أبو محمد عبد الوهاب، وبه قال أبو الحسن، فإن قلت قوله:"وافتقر نحو الجراد لها بما يموت به": يخالف قوله صلى الله عليه وسلم: (أحلت لنا ميتتان ودمان الحوت والجراد والكبد والطحال (١)): فالجواب أنه مؤول بمشابهته للميتة لعدم وقوع الذكاة المعتادة فيه على وجهها؛ لأنه لم يذك في الحلق واللبة، قال الشيخ الخرشي: والحديث صحيح لا يجوز الطعن فيه. انتهى. وقال الشيخ إبراهيم: إن الطرطوشي ذكر أن حديث: أحل لنا ميتتان، على شهرته ليس بثابت. انتهى. والله سبحانه أعلم.
وتتوقف حلية الانتفاع بالجراد على تذكيته كما علمت، كان الانتفاع أكلا أو غيره، خلافا للمفصل بين ما مات بنفسه فيحل وما أخذ مستجمع الحياة فلا يباح إلا بها، ودود الطعام يؤكل معه إذا كان لمتصلا به، فإن انفصل عنه صار من جملة الخشاش فلا يؤكل إلا بذكاة، وكذلك دود الجبن وهو متصل به لا يحتاج لذكاة ولا يقصد بالأكل ذكاته للمشقة، فإن انفصل عنه صار من جملة الخشاش؛ وكذلك حيوان عسل النحل لو مزق فيه، وكل هذا فيما تولد منه، بخلاف النمل لو وقع في العسل مثلا لا يؤكل إذا تمزق فيه ولم يتميز. قاله الخرشي. وفي التيسير عن الشيخين وأبي داوود والنسائي والترمذي: عن أبي أوفى رضي الله عنه: غزونا مع رسول الله صلى الله
(١) ابن ماجه رقم الحديث ٦٣١٤، ٣٢١٨ إتحاف، ج ٢، ص ٣١٥ ج ٧ ص، ١٢٢.