الثالث: اعلم أن الاشتباه هو الالتباس وعلى القول بالتحري فلا بد من أمارة أو دليل فليس الالتباس بحقيقي، فلا يجوز له أخذ الأواني إلا بالاجتهاد، وطلب علامة تغلب على الظن بها الطهارة قال الحطاب: فإن لم تظهر له علامة فالظاهر أنه يترك الجميع ويتيمم، وقد تقدم أن في قوله. "وإذا اشتبه طهور" الخ خمسة أقوال، ووجه القولين الأولين أن القادر على الماء ومعه ماء محقق لا يجوز له التيمم لقوله تعالى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} الآية، وزاد الثاني غسل الأعضاء لتيقن إزالة النجاسة قبل الوضوء الثاني، ووجه الثالث القياس على القبلة، فإن كلا من الطهر والاستقبال شرط في صحة الصلاة، ووجه الرابع أن الغالب مع الكثرة إصابة الاجتهاد بخلاف القلة، ولأنه مع الكثرة يشق استعمالها، ومع القلة يخف أمرها، ووجه الخامس أن الله عز وجل أباح التيمم مع عدم الماء الطهور، وهو هنا عدم لوقوع الشك وإلزام وضوءين وصلاتين خلاف الأصل، والتحري لا يسقط الفرض بيقين. واعلم بأن ما اعترض به بعضهم على القول الصحيح الذي مشى عليه المصنف من أن نيته غير جازمة لعلمه أنه لا يكتفي بما صلى، وبأن الثانية إن نوى بها الفرض كان ذلك رفضا للأولى، وإن نوى بها النفل لم تسقط عنه، وإن نوى التفويض لم يصح؛ لأن الله لا يقبل صلاة بغير نية، يجاب عن الأول منه بأن الواجب عليه أن يتوضأ ويصلي بعدد النجس وزيادة واحد فلا يكتفي بدون الواجب عليه فنيته جازمة في الجميع؛ لأن ذلك فرضه وهو لازم، فيمن نسي صلاة من خمس لا يدري عينها، وهذا وهم وقع فيه كثير من الناس، وبهذا يسقط قوله لأن الثانية إن نوى بها الفرض كان رفضا للأولى؛ لأن كل واحدة من المجموع فرضه، وبهذا يجاب عما ذكره ابن رشد في مسألة الشك في الثياب المتقدمة في قوله: بخلاف ثوبيه فيتحرى، وعلى ما مشى عليه المصنف وما أشبهه من الأقوال لا إشكال في جواز إمامة أحد الجماعة لهم فيتوضئوا بعده النجس وزيادة إناء، ويصلون بعده ما توضئوا ويؤمهم أحدهم في تلك الصلوات، وعلى القول بالتحري فإن اتفق تحريهم على إناء واحد فلا إشكال، وإن اختلف تحريهم فلا لاعتقاده أن الآخر تطهر بالماء النجس.
وندب غسل إناء ماء يعني أن الإناء إذا كان فيه ماء وولغ فيه كلب فإنه يستحب أن يغسل ذلك الإناء، والظاهر على أصولنا اشتراط الدلك؛ لأن الغسل عندنا لا تتم حقيقته إلا به، قاله الشيخ