وكذا نذر كثير من صلاة أو صوم أو غيرهما مما يؤدي إلى الحرج والشقة مع القدرة عليه وهو مكروه، بخلاف ما لا يطيقه فإنه نذر معصية. وقوله:"ولو غضبان"، رد المص بلو قول الليث الذي تقدمت الإشارة إليه، وقد أفتى به ابن القاسم ابنه عبد الصمد حين حلف بالمشي إلى مكة وحنث فأفتاه بكفارة يمين، فقال: إني أفتيك بقول الليث، فإن عدت لم أفتك إلا بقول مالك. ابن العربي: خاف ابن القاسم أنه إذا كلف ابنه المشي لا يفعل فيستهين بمسألة من الدين، فيكون طريقا إلى الاستهانة بغيرها، وهذا حسن من الفتوى عظيم. قاله الشيخ إبراهيم.
وإن قال إلا أن يبدو لي؛ يعني أن الناذر يلزمه ما نذره وإن أعقب نذره بقوله:"إلا أن يبدو لي" أن لا أفعل أو إلا أن يشاء الله، فالمشيئة بالله لا تفيد في النذر غير المبهم على المشهور؛ لأنه نص المدونة، خلافا لما في الجلاب لمن قوله: تنفعه المشيئة، وأما لو قال: لله علي نذر كذا إن شئت أنا، فظاهر كلام التتائي أنه لا ينفعه أيضا. قاله الشيخ عبد الباقي.
أو أرى خيرا منه؛ يعني أن المسلم المكلف يلزمه ما نذره من الطاعة، وإن عقبه بقوله: إلا أن أرى خيرا منه أي من المنذور، كقوله: لله علي عتق رقبة إلا أن أرى خيرا منه أفعله أو أتركه، وقوله:"وإن قال إلا أن يبدو لي أو أرى خيرا منه"، قال الإمام الحطاب: في بعض النسخ، ولو قال وفي بعضها وإن وهي الأحسن؛ لأن هذا الفرع في ظني أنه عار من الخلاف. والله أعلم. انتهى. وقوله: وإن قال إلا أن يبدو لي، هذا في المطلق، وكذا في المعلق حيث جعل الاستثناء راجعا لصيغة النذر، فإن أرجعه للمعلق عليه فقط نفعه ذلك، كقوله: لله علي كذا إن دخلت الدار إلا أن يبدو لي في دخول الدار أن لا أجعله سببا لذلك كما سيذكره.
بخلاف إن شاء فلان فبمشيئته؛ يعني أن الناذر لو علق النذر بمشيئة فلان، كقوله: لله علي صدقة بكذا إن شاء زيد -مثلا- فإن نذره يتقيد بمشيئة زيد، فإن شاء عقده فيلزمه، وإن شاء حله فلا يلزمه، فإن مات قبل أن يختار ولم تعلم مشيئته برد أو إمضاء فلا شيء على الناذر. وقوله:"فلان"؛ أي الحي، فإن كان ميتا حال نذره لزمه نذره إن علم بموته حين نذره لتلاعبه، وإلا فلا شيء عليه، وإن شاء هذا الحجر لزمه لهزله، وكذا مشيئة صبي لا يعقل. قاله الشيخ عبد الباقي.