للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هو المشهور، قال فيها: ومن قال علي أن أهدى مالي أو قال جميع مالي صدقة أو في سبيل الله تعالى، أو هدي أو حلف بذلك فحنث أجزأه من ذلك الثلث، وحجته في ذلك أن أبا لبابة حين تاب الله تعالى عليه؛ قال يا رسول الله: أهجر دار قومي التي أصبت فيها الذنب وأجاورك وأنخلع من مالي صدقة لله ورسوله، فقال -صلى الله عليه وسلم-: (يجزئك من ذلك الثلث (١)) وهو يدل على أنه التزم الصدقة بجملة ماله؛ لأن الإجزاء فرع شغل الذمة، وقال سحنون: إنما يلزمه من ذلك ما لا يضر به إخراجه، وقال ابن وهب وابن حبيب: يخرج الثلث إن كان كثير اليسار، والرابع إن كان قليل المال، وكفارة يمين إن كان عديما. وعن ابن وهب أنه يلزمه إخراج جميع ماله، واستظهره بعض الأشياخ عملا بمقتضى اللفظ، ولأن التصدق بالجميع طاعة لإقراره صلى الله عليه وسلم أبا بكر على ذلك.

وقيل للإمام مالك فيمن نذر إطعام مساكين: أيطعم كل مسكين خمس تمرات؟ قال: ما هذا وجه إطعامهم إلا أن ينوي ذلك فذلك له، وإن لم ينوه فليطعم كل مسكين مدا بمد النبي -صلى الله عليه وسلم-، لقوله جل وعز: {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ}، فكان مدا لكل مسكين.

ابن رشد: ليس هذا واجبا عند مالك وإنما ذلك استحسان منه، وسئل ابن أبي زيد عمن حلف بالصدقة وعليه دين، فأجاب: يؤدي دينه ومهر امرأته، فإن بقي شيء تصدق بثلثه، ومن قال داري صدقة على المساكين أو على رجل بعينه في يمين فحنث لم يقض عليه بشيء، ويلزمه فيما بينه وبين الله تعالى، وإن قال ذلك في غير يمين بتلا قضي عليه إن كان لرجل بعينه، ومن وجب عليه إخراج ثلثه أجبر عليه إن كان لمعين، وإن كان لغير معين لم يجبر عليه على المشهور. وقيل: يجبر عليه، ولو قال كل مال أملكه فإن كان ذلك على رجل بعينه لزمه إخراج جميع ماله ويترك له منه كما يترك للمفلس، فيترك له ما يعيش به هو وأهله الأيام. ابن المواز: يترك له كالشهر، ويجري مثل ذلك فيما إذا نذر شيئا معينا وكان ذلك جميع ماله، وإذا حلف بصدقة ما يفيده أو يكسبه أبدا فحنث فلا شيء عليه باتفاق المذهب، وأما إن نذر أن يتصدق بجميع ما يفيده أبدا فيلزمه أن يتصدق بثلث ذلك قولا واحدا، وإن نذر أن يتصدق بجميع ما يفيده إلى


(١) الموطأ، كتاب الأيمان والنذور، رقم الحديث ١٠٣٩.