للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والجمهور على تفضيل السماء على الأرض، وقيل بتفضيل الأرض لخلق الأنبياء منها ودفنهم فيها، والمراد بموضع قبره -صلى الله عليه وسلم- ما يمس أعضاءه كما مر لا أعم، وإن كان لغير الماس حرمة أيضا كجلد المصحف، قال الدماميني: والروضة تنضم أيضا لموضع القبر في الإجماع على تفضيله بالدليل الواضح؛ إذ لم يثبت لبقعة أنها من الجنة بخصوصها إلا هي، فلذا أورد البخاري حديث: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة (١)) تعريضا بفضل المدينة؛ إذ لا شك في تفضيل الجنة على الدنيا، وورد في المدينة: من صبر على لأوائها وشدتها كنت له شهيدا وشفيعا يوم القيامة، وفي رواية أبي سعيد: لا يصبر أحد على لأوائها وجهدها إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة؛ أي شفيعا للعاصين وشهيدا للمطيعين أو شفيعا لمن مات بعد المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، وشهيدا لمن مات في حياته، وأو للتقسيم لا للشك. قاله عياض. وقال السمهودي: وفيه بشرى للصابرين بها بالموت على الإسلام، وهذه مزية عظيمة زائدة على شفاعته -صلى الله عليه وسلم- وشهادته العامتين، فقد ثبت حديث: من مات بالمدينة كنت له شفيعا يوم القيامة، وخبر: من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت فإنه من مات بها أشفع له وأشهد له، ويلي مكة في التفضيل بيت المقدس كما مر، فهو أفضل ولو من المساجد المنسوبة له -صلى الله عليه وسلم-، كمسجد قباء بالفتح (٢) والمد وذي الحليفة وغيرهما.

واعلم أن القفول أفضل من المجاورة بمكة أو المدينة، وكان عمر -رضي الله عنه- يأمر الناس بالقفول بعد الحج، قال الشيخ علي الأجهوري: ظاهر كلام أئمتنا استواء دخول مكة ماشيا أو راكبا في الفضل، وصحح الشافعية أن دخول مكة ماشيا أفضل. قاله الشيخ عبد الباقي. وقال الإمام الحطاب عند قول المصنف: "والمدينة أفضل ثم مكة"، هذا هو المشهور. وقيل: مكة أفضل ثم المدينة بعد إجماع الكل على أن موضع قبره عليه السلام أفضل بقاع الأرض، ونقل عياض وقبله أبو الوليد الباجي وغيرهما الإجماع على تفضيل ما ضم الأعضاء الشريفة على الكعبة. انتهى. ونقل عن بعضهم أنه قال: الظاهر المتعين تفضيل جميع الأرض على السماء، لحلوله -صلى الله


(١) صحيح البخاري، كتاب فضائل المدينة، رقم الحديث ١٨٨٨.
(٢) كذا في الأصل.