للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد مر عزو كل من القولين إلى قائله، وبين الفاضل منها من المفضول بقوله: والمدينة أفضل؛ يعني أن المدينة أفضل من مكة؛ أي ثواب العمل فيها أفضل من ثواب العمل في مكة شرفهما الله تعالى، وهذا هو المشهور وهو قول أهل المدينة، ويدل له ما رواه الدارقطني والطبراني من حديث رافع بن خديج: (المدينة خير من مكة (١)). نقله في الجامع الصغير. وعبارة الشيخ إبراهيم: والمدينة عندنا -وجميع السلف ومنهم عمر -رضي الله تعالى عنه- أفضل المساجد الثلاثة، ثم يليها مكة في الفضل، ثم بيت المقدس أفضل من باقي البقاع ولو المساجد المنسوبة له -صلى الله عليه وسلم-، كمسجد قباء والفتح والعيد وذي الحليفة وغيرها.

وقال ابن وهب والشافعي وابن حبيب وجمع: مكة أفضل ثم المدينة. قاله الشيخ إبراهيم.

واعلم أن بيت المقدس لا خلاف في أنه مفضول بالنسبة إليهما، وقال الشيخ عبد الباقي: والمدينة أفضل ثم مكة على قول مالك وهو قول أهل المدينة، وعكس الشافعي وابن وهب وابن حبيب وأهل الكوفة، ومحل الخلاف في غير الموضع الذي ضم عظامه -صلى الله عليه وسلم- وهو مراد من عبر بموضع قبره فإنه أفضل من جميع بقاع الأرض حتى الكعبة ومن السماوات ومن العرش والكرسي واللوح والقلم والبيت كما للسيد السمهودي، ولعله أراد البيت المعمور فلا يتكرر مع الكعبة، ويليه الكعبة فإنها أفضل من بقية المدينة اتفاقا، ونزول المائة والعشرين رحمة عليها دليل لذلك، وأما المسجدان بقطع النظر عن الكعبة وعن القبر الشريف فمسجد المدينة أفضل، وما زيد من مسجده الشريف حكمه حكم المسجد عند الجمهور وهو مذهب الأئمة الثلاثة، وصرح به الشافعية غير النووي. وقيل: رجع عن ذلك، قال أبو هريرة -رضي الله تعالى عنه-: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (لو زيد في هذا المسجد إلى صنعاء كان مسجدي (٢))، وعن أبي ذؤيب أن عمر -رضي الله تعالى عنه- قال: (لو مد مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى ذي الحليفة لكان منه (٣) قال عمر بن أبي بكر الموصلي: بلغني عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ما زيد في مسجدي فهو منه ولو بلغ ما بلغ.


(١) الكبير للطبراني ٤٤٥٠، والجامع الكبير للسيوطي رقم الحديث ١٣٢.
(٢) فتح الباري لابن رجب الحنبلي ج ٣ ص ٢٣٤، رقم الحديث ٤٤٦.
(٣) فتح الباري، ج ٣ ص ٢٣٤.