بآلات الحرب، كسيف ورمح ونبل ورمي بمنجنيق ولو كان فيهم نساء وصبيان ولو خيف على الذرية، كما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل الطائف (١)).
وبنار؛ يعني أنهم كما يقاتلون بما مر يقاتلون بالنار بشرطين: أشار لأولهما بقوله: إن لم يمكن غيرها؛ يعني أن ما تقدم من جواز قتالهم بالنار محله إن لم يمكن قتالهم بغير النار، وأما إن أمكن قتالهم بغير النار فلا إلا ما يأتي قريبا، ومذهب المدونة أنه إن لم يمكن غير النار فإنهم يقاتلون بها: ولو لم يخف منهم على المسلمين إن تركناهم فالتقييد بالخوف غير صواب، وأشار للشرط الثاني بقوله: ولم يكن فيهم مسلم؛ يعني أن محل جواز القتال للكفار بالنار إنما هو عند انتفاء أمرين، أحدهما عدم إمكان القتال بغير النار كما مر، ثانيهما أن لا يكون في الكفار مسلم، فإن كان فيهم مسلم لم يقاتلوا بها اتفاقا برا أو بحرا أمكن غيرها أم لا، قال الشيخ عبد الباقي: إلا لخوف، قال محشيه محمد بن الحسن بناني: فيه نظر، والذي عليه ابن الحاجب والتوضيح أن المذهب منع قتالهم بالنار حيث كان فيهم مسلم ولو خفنا منهم خلافا للخمي.
وإن بسفن؛ مبالغة في المفهوم أي يمتنع قتالهم بالنار حيث كان فيهم أسير أو أكثر من المسلمين، وإن كنا وإياهم بسفن وهذا ظاهر، وأما رجوع المبالغة لمفهوم الشرط الأول فغير ظاهر لأن الراجح جواز قتالهم بالنار حيث لم يكن فيهم مسلم، وكنا وإياهم بسفن أمكن غيرها أم لا، وأما إن كنا وإياهم ببر أو أحد الفريقين ببر فيقاتلون بها إن لم يمكن غيرها وإلا فبذلك الغير.
فالحاصل أن السفن إن لم يكن فيها أسرى المسلمين جاز أن يرموا بالنار، وإن كان فيها النساء والصبيان قولا واحدا وإن كان فيها أسرى المسلمين، فقال أشهب: ذلك جائز، وقال ابن القاسم: لا يجوز. قاله الشيخ محمد بن الحسن. ونقل عن ابن رشد أن الحصون إذا لم تكن فيها إلا المقاتلة فأجاز في المدونة أن يرموا بالنار، ومنع من ذلك سحنون، وقد روى ذلك عن مالك من رواية محمد بن معاوية الحضرمي، ولا خلاف فيما سوى ذلك من تغريقهم بالماء ورميهم بالمنجنيق وما أشبه ذلك، وأما إن كان في الحصون مع القاتلة النساء والصبيان ففي ذلك أربعة أقوال: أحدها أنه يجوز أن يرموا بالنار ويغرقوا بالماء ويرموا بالمجانيق وهو قول أصبغ فيما حكى عنه
(١) البيهقي، ج ٩ ص ٨٤، وسنن الترمذي، كتاب الأدب، رقم الحديث، ٢٧٦٢.