الجزية عليهم، وإن كان لا يجوز قتلهم ما عدا راهب الكنيسة فإنه يجوز قتله كما مر، وخرج راهب منعزل بدير أو صومعة أو غار بلا رأي فإنها لا تضرب عليه؛ ولو ترهب بعد عقدها ففي سقوطها قولان: الأول لابن القاسم وصححه صاحب الشامل، والثاني لطرف وابن الماجشون، قال عبد الباقي: وأما من له رأي من هؤلاء فيقتل ولا يبقى حتى تضرب عليه. انتهى. محمد بن الحسن: قول الزرقاني: ولا يبقى حتى تضرب عليه الخ فيه نظر، بل للإمام الاجتهاد فيه بالقتل أو غيره. انتهى. وقوله:"مخالط" يغني غنه قوله: "صح سباؤه".
لم يعتقه مسلم؛ يعني أنه يشترط في أخذ الجزية من الكافر مع ما مر من الشروط أن لا يعتقه مسلم ببلد الإسلام، وإلا لم تؤخذ منه، والعبرة بمحل العتق ولو كان العتق بفتح التاء بمحل آخر. قاله الشيخ عبد الباقي. فإن أعتقه ببلاد الحرب أخذت منه كما إذا أعتقه غير مسلم.
والحاصل أن العبد الكافر إذا أعتق لا يخلو إما أن يعتق بدار الحرب وهذا تضرب عليه الجزية بكل حال سواء أعتقه حربي أو ذمي أو مسلم، وإما أن يعتق بدار الإسلام وهذا إن أعتقه مسلم فلا تضرب عليه الجزية إلا إذا حارب وأسر، وهذا خارج بقوله:"صح سباؤه" وإن أعتقه كافر ضربت عليه الجزية، وإن كان السيد المعتق ذميا تبعا لسيده وإن لم يصح سباؤه وهذا وارد على المص، فلو قال: صح سبيه أو أعتقه ذمي لوفى به. إذا عرفت هذا، فقوله:"لم يعتقه مسلم"، لا حاجة إليه للاستغناء عنه بقوله:"صح سباؤه"، بل هو نص لاقتضائه أن معتق المسلم إذا حارب لا تضرب عليه. والله تعالى أعلم. وانظر فيمن أعتقه مسلم وكافر مشتركا بينهما، هل تبعض عليه أو لا تؤخذ منه نظرا لعتق المسلم أو تؤخذ منه نظرا لعتق الكافر؟ واستغنى عن الذكورة لإتيانه بالأوصاف مذكرة، فعلى هذا يستفيد أن الخنثى المشكل لا جزية عليه؛ لأنه ليس بذكر محقق، ومرادهم بالذكورة: المذكورة المحققة. قاله الشيخ إبراهيم.
وأشار إلى الرابع بقوله: سكنى غير مكة والمدينة واليمن. هذا تفسير لجزيرة العرب الواردة في الحديث، أعني قوله صلى الله عليه وسلم:(لا يبقين دينان بجزيرة العرب (١))، وهي مأخوذة من الجزر الذي هو القطع لانقطاع المياه عن وسطها إلى جوانبها، وجزيرة العرب قد احتف بها بحر
(١) لا يجتمع دينان في جزيرة العرب، الموطأ، كتاب الجامع، رقم الحديث، ١٦٥١.