للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القلزوم من جهة المغرب، وبحر فارس من جهة المشرق، وبحر الهند من جهة الجنوب، ومعنى كلام المص أن عقد الجزية أي الأمر الذي يلزم الكفار الجزية هو أن يأذن لهم الإمام في سكنى موضع أي موضع تنالهم فيه أحكام الإسلام بحيث لا يمكنهم نقض عهد، لقوله تعالى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}؛ أي أذلاء منقادين ما عدا جزيرة العرب وهي مكة والمدينة وما في حكمهما من أرض الحجاز واليمن للحديث المتقدم، ولقوله صلى الله عليه وسلم: (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب (١) ولقوله عليه الصلاة والسلام: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب (٢) وقوله عليه الصلاة والسلام: (لا يبقين دينان بجزيرة العرب) أي لأنها أرض الإسلام، فكره بقاءهم بها لغوائلهم ومكرهم واطلاعهم على أحوال المسلمين، ولا يقال: كلامه يقتضي غير مكة والمدينة واليمن من بقية أرض الحجاز، وليس كذلك؛ لأن قوله: "واليمن"، يفهم منه منع سكناهم بأرض الحجاز، وكما لا يسكنون جزيرة العرب لا يدفنون بها، وحكم العبيد حكم الأحرار، وهو قول عيسى بن دينار خلافا لابن مزين، وقال أبو عبيدة: هي ما بين حفر أبي موسى الأشعري أي وهو آخر العراق وأول الشام إلى أقصى اليمن طولا، وفي العرض ما بين رمل يبرين أي وهو آخر حد اليمن إلى منقطع السماوة أي وهو آخر الشام من جهة اليمن وهو آخر بلاد سبإ، وكان يخرج من سبإ لهذه بلا زاد وهي مسيرة شهر وعشرين يوما لكثرة القرى.

وبما قررت علم أن قوله: "سكنى"، منصوب بنزع الخافض متعلق بقوله: أذن، وقد علمت أنهم يمنعون من السكنى بجزيرة العرب، وحينئدت فيؤمرون بالانتقال منها إن سكنوها، فإن أبوا قوتلوا. ولهم الاجتياز؛ يعني أن أهل الذمة عنويين أو صلحيين إن منعوا من السكنى في جزيرة العرب لا يمنعون من الاجتياز أي المرور بها، وظاهره ولو لغير حاجة ككون طريقه من غيرها أقرب، وكذا لهم إقامة ثلاثة أيام إن احتاجوا لها لدخولهم أيام عمر بجلبهم الطعام إلى المدينة من الشام، وضربه لهم ثلاثة أيام يستوفون ثمنه وينظرون في حوائجهم. وقد علمت أنهم يمنع أحرارهم من


(١) صحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، رقم الحديث، ١٧٦٧.
(٢) البخاري، كتاب الجهاد والسير، رقم الحديث ٣٠٥٣.