للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخائنة الأعين؛ يعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مخصوص بأنه تحرم عليه خائنة الأعين، وهي أن يظهر خلاف ما أبطن أو ينخدع عما يجب. قاله في الجواهر. والأول في غير الحروب، وحديث: (إنا لنبش في وجوه قوم وإن قلوبنا لتلعنهم (١)) هو كالحرب من حيث المعنى، ونبش بفتح المعين من باب علم، وقد أبيح له ذلك إذا أراد سفرا لغزوٍ أن يوري بغيره، ولا تحرم خائنة الأعين على غيره إلا في محظور، والذي كان يقع منه في الحروب إنما هو إذا أراد أن يذهب إلى محل سأل عن سهولة طريق محل آخر وحزونتها وكيف ماؤه؟ ونحو ذلك مما يوهم الذهاب إلى غيره. قاله الأجهوري. وهذا تورية قطعا. والله سبحانه أعلم.

والحكم بينه وبين محاربه؛ هو من تتمة قوله: "حتى يقاتل"، فهو من عطف المصدر الصريح على المصدر الأول، فكان حقه أن يوصله به؛ يعني أنه يحرم عليه صلى الله عليه وسلم إذا لبس لأمة الحرب أن ينزعها حتى يقاتل أو يحكم الله بينه وبين محاربه، وقد مر أن صواب العبارة أن يقول: ونزع لأمته حتى يحكم الله بينه وبين محاربه. قال ابن غازي: صواب العبارة ونزع لأمته حتى يقاتل أو يحكم الله بينه وبين محاربه، وهو كذلك في بعض النسخ ولا يصح غيره. قاله الشيخ إبراهيم. وفسر الحطاب المص بما قال في المقصد الجليل، أي حرم على غيره أن يحكم بينه صلى الله عليه وسلم وبين محاربه، لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}. انتهى. قال الحطاب: ويكون المراد بالمحارب من بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم خصومة، قال مجاهد في تفسير الآية: لا تفتاتوا على الله ورسوله حتى يقضي الله على لسان رسوله.

ورفع الصوت عليه؛ يعني أن من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه لا يجوز لأحد أن يرفع صوته عليه لقوله تعالى: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} وأما خبر ابن عباس وجابر أن نسوة كن يكلمْنَه عالية أصواتهن فالظاهر أنه قبل النهي بقوله تعالى: {لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ}، ويحرم رفع الصوت على حديثه أيضا؛ لأن حرمته ميتا


(١) صحيح البخاري، كتاب الأدب، معلقا، بلفظ إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم.