للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسجد وصلاته نافلة له (١)؛ أي زيادة له على ما ذكر، وفيه أيضا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرجت من يده كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيتة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيا من الذنوب (٢)). قوله: بطشتها أي عملتها، والبطش الأخذ بعنف، وقوله: مشتها؛ أي مشى لها بهما. وقوله: مع الماء أو مع لخ شك من الراوي. والله سبحانه أعلم.

وقلة ماء يعني أن من مستحبات الوضوء تقليل الماء ولو كان على حافة نهر، فقوله: "قلة ماء"؛ أي ما يتوضأ به وإن كان على جانب نهر، وبهذا يجاب عما قيل إن الأولى تقليل؛ لأنه الفعل المندوب، ولا تكليف إلا بفعل وأن عبارته توهم أن الوضوء في الماء الكثير كالبحر مكروه وإن قلل الأخذ منه: مع أنه غير مراد قطعا بلا حد يعني أنه ليس لهذا التقليل المندوب حد يوقف عنده، بل المطلوب من ذلك ما يحصل به الإسباغ على حسب حال المتوضئ في رفقه وخرقه ونشافته ورطوبتة، خلافا لمن قال لابد أن يسيل أو يقطر عنه، وأنكره مالك، وقال: قطر قطر روي بالفعل والمصدر المنون إنكارا للتحديد به، يعني أنه أنكر السيلان عن العضو لا السيلان عليه، إذ لابد منه ليعم البشرة وإلا كان مسحا، وليس ما يتوضأ به محدودا بمد أيضا خلافا لابن شعبان كالغسل يعني أن الغسل كالوضوء في أنه يستحب كونه في موضع طاهر وفي أنه يندب فيه تقليل الماء المستعمل به، وليس ذلك التقليل محدودا بحد خلافا لمن قال: لابد أن يسيل الماء عن العضو أو يقطر عنه، وخلافا لقول ابن شعبان إنه محدود بصاع، قال: لأنه لا أحد أرطب من أعضاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولابن العربي في العارضة وهي شرحه للترمذي: وأقل المقدار ما كان يكتفي به سيد الناس -صلى الله عليه وسلم-، فلا يمكن في الوجود أعلم منه ولا أرفق ولا أحوط ولا أسوس بأمور الشرع ومكارم الأخلاق والصاع أربعة أمداد بمده -صلى الله عليه وسلم-،


(١) الموطأ، كتاب الطهارة، رقم الحديث ٦٢.
(٢) الموضأ، كتاب الطهارة، رقم الحديث ٦٣.