للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعلم مما قررته أن قوله: "كالغسل" تشبيه في الحكمين السابقين، وهما استحباب كونه في موضع طاهر، وتقليل الماء المستعمل كما قاله الشبراخيتي. وقد توضأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمد وتطهر بصاع (١))، وذلك بيان لفعله -صلى الله عليه وسلم- لا تحديد، ومعنى قوله: بمد؛ أي بمكيل مد لا بوزنه، فالمراد القدر الذي يبلغ من الآتية بقدر ما يبلغ المد من الطعام منها بأن يأخذ من الطعام، وهو الشعير الوسط المقطوع الذنب، وزن رطل وثلث وهو المد، ويضعه في إناء ويأخذ من الماء القدر الذي يشغل من الإناء قدر ما شغله ذلك الطعام منه، فهذا هو المد من الماء. قاله الشيخ محمد بن الحسن. وروي (أنه صلى الله عليه وسلم توضأ بنصف المد (٢)) وذلك لا يقدر عليه إلا العالم السالم من وسوسة الشيطان، وما ذكره المصنف هنا لا يخالف قول الرسالة: وقلة الماء مع إحكام الغسل سنة؛ لأن السنة هنا ضد البدعة، قاله الشيخ يوسف بن عمر. الشيخ زروق؛ يعني سنة؛ يستحب العمل بها، وسلم مما تقدم أن الواجب عند مالك الإسباغ، ومعناه التعميم، وعلم أيضا أن التقليل مع الإحكام؛ أي الإتقان للغسل سنة وليس الناس في ذلك سواء، وإنما يراعى القدر الكافي في كل واحد فما زاد على قدر ما يكفيه فهو بدعة، وإن اقتصر على ما يكفيه فقد أدى السنة. ابن الفاكهاني: ولا معنى للتحديد بالمد والصاع، وإنما الشأن على حسب المستعمل وعادته في الاستعمال؛ لأن الله سبحانه أمر بالغسل ولم يقيده بمقدار معين لطفا منه، إذ لو كان فيه حد للزم الحرج؛ لأن من الناس من يكفيه اليسير لرفقه، ومنهم من لا يكفيه إلا الكثير لإسرافه، فلو كان فيه حد لوجب أن يفارق كل أحد عادته فيستعمل من يكفية اليسير زيادة على ما يحتاج إليه، ويقتصر من لا يتمكن من أداء الواجب إلا بالكثير على ما لا يمكنه أداء الواجب معه وهذا فاسد، وإذا علم ذلك فالمستحب لمن يقدر على الإسباغ بالقليل أن يقلل الماء ولا يستعمل زيادة على الإسباغ انتهى. وقد مر أن معنى الإسباغ التعميم. قال الإمام الحطاب: علم من هذا أن السرف هو ما زيد بعد تيقن الواجب، وهو مكروه على ما نص عليه أكثر الشيوخ، ويؤخذ من القول الذي يذكره المصنف في الرابعة أنه ممنوع. وفي الرسالة: والسرف


(١) أبو داود في سننه، كتاب الطهارة، رقم الحديث ٩٣. ولفظه: عن عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمدِّ.
(٢) البيهقي، ج ١ ص ١٩٦.