في العتبية من سماع أصبغ من كتاب النِّكَاح، قال: قلت فإن عجزه ثم جاء ببينة بعد ذلك وقد نكحت المرأة أو لم تنكح، قال قد مضى الحكم، فقال ابن رشد: قوله لا تقبل منه بينة بعد التعجيز خلاف ظاهر ما في المدونة إذ لم يفرق فيها بين تعجيز الطالب والمطلوب، وقال: إنه يقبل منه القاضي ما أتى به بعد التعجيز إذا كان لذلك وجه، وقد قيل إنه لا يقبل منه ما أتى به بعد التعجيز كان طالبا أو مطلوبا. وفرق ابن الماجشون في الطالب بين أن يعجَّزَ أول قيامه قبل أن يجب على المطلوب عمل، وبين أن يعجز بعد أن وجب على المطلوب عمل ثم رجع عليه، ففي تعجيز الطالب ثلاثة أقوال، وفي تعجيز المطلوب قولان.
ثم قال: وهذا الخلاف إنما هو إذا عجزه القاضي بإقراره على نفسه بالعجز، وأما إذا عجزه السلطان بعد التلوم والإعذار وهو يدعي أن له حجة فلا يقبل منه ما أتى به بعد ذلك من حجة؛ لأن ذلك قد رد من قوله قبل نفوذ الحكم عليه فلا يسمع منه بعد نفوذه عليه. انتهى. فأشار المص بقوله:"إن أقر على نفسه" لخ إلى تقييد ابن رشد لمحل الخلاف، لكن كلام المص يوهم أنه من تمام ظاهر المدونة وليس كذلك. انتهى.
وعلم مما قررت أن المص جزم أولا بعدم القبول في محل الاتفاق، ثم ذكر من محل الخلاف ظاهر المدونة فقط مقتصرا عليه وساكتا عما في الرواية، لكن نبه بنسبته لظاهر المدونة على أنه محل خلاف. والله سبحانه أعلم. وقال عبد الباقي عند قوله:"وظاهرها القبول إن أقر على نفسه بالعجز" وهذا مبني على أن التعجيز هو الحكم بأنه عجز أو الحكم بعد تبيين اللدد، وأما على أنه الحكم بعدم سماع البينة بعد ذلك فلا تقبل بينته بعد ذلك ولوأقر على نفسه بالعجز. وهذا هو الراجح كما يأتي في باب القضاء. والفرق على تسليم ما هنا بين ادعاء الحجة وبين إقراره على نفسه بالعجز أنه - كما قال أحمد - في الأول حكم بإبطال ما يأتي به لكونه يدعيه، بخلاف الثاني فإنه لم يحكم بإبطال ما يأتي به وإنما حكم بكونه عجز. انتهى.
قلت: وانظر لو حكم في هذا بإبطال ما يأتي به من البينة وما يأتي في باب القضاء يدلُّ على صحة حكمه. انتهى. وقوله: أو الحكم بعد تبيين اللدد لخ، قال محمد بن الحسن: هذا هو الذي صرح به في باب القضاء من التوضيح؛ إذ قال: إذا ذكر له حجة وتبين لدده وقضى عليه هو