للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المعتمد حرمة قراءة القرءان في الكنيف، وأما الذكر فيه أو الدخول بما فيه ذكر أو قرءان فمكروه، وما يفهم من كلام التوضيح، وابن عبد السلام، والشارح من التحريم غير ظاهر، وأطلق الحطاب كراهة الدخول بما فيه قرءان فظاهره سواء كان كاملا أم لا. واستظهر الشيخ علي الأجهوري التحريم في الكامل. انتهى. ومقابل المعتمد يقول بجواز ذلك، وهو الذي يفهم من كلام ابن رشد، ومن كلام عياض في الإكمال، ومن كلام صاحب الطراز، ومن كلام البرزلي، وعلى هذا فيحمد إذا عطس وهو يبول كما أجاب به ابن القاسم من سأله عن ذلك؛ فقال له: نعم، والدليل لابن القاسم من جهة الأثر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال: (اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث (١) وما روي عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله في أحيانه (٢))، ومن طريق النظر أن ذكر الله يصعد إلى الله فلا يتعلق به من دناءة الموضع شيء، قال الله تعالى {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}، فلا ينبغي أن يمنع من ذكر الله إلا بنص ليس فيه احتمال، وما روي عن ابن عباس من تأويل إذا دخل الخلاء على معنى إذا أرادكما هو موجود في بعض الآثار، فإن ثبت فأكثر ما فيه ارتفاع النص على الجواز لا المنع، وإن لم يثبت المنع وجب أن يبقى على الأصل في جواز الذكر عموما، وما روي من أنه صلى الله عليه وسلم سلم عليه رجل وهو يبول فقال: (إذا رأيتني على هذه الحالة فلا تسلم فإنك إن فعلت لم أرد عليك (٣)) لا دليل فيه، فقد يحتمل أن عدم رده في تلك الحالة بعد أن نهاه أدب له على مخالفته، ولكونه على غير طهارة على ما كان عليه في أول الإسلام أنه لا يذكر الله إلا على طهارة حتى نسخ ذلك انتهى. قاله الحطاب.

واعلم أنه لا ينبغي أن يختلف في استحباب ترك الذكر والقراءة من غير ضرورة في ذلك الموضع، ولا في استحباب ترك النزول إليه بكل ما فيه ذكر، وأن الجواز إذا أطلق في ذلك فالمعنى أنه


(١) البخاري، كتاب الجنائز، رقم الحديث: ١٤٢. ومسلم في صحيحه، كتاب الحيض، ٣٧٥.
(٢) مسلم في صحيحه، كتاب الحيض، رقم الحديث: ٣٧٣. ولفظه: كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه.
(٣) سنن ابن ماجه، رقم الحديث ٣٥٢.