للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأن ما دون الله سبحانه لا يقاوم تجليه جلت عظمته، ولولا أنه سبحانه يثبتهم ويبقيهم لحل بهم ما حل بالجبل حين تجلى له.

وقوله: حتى يحتجب عنهم، يجوز أن يكون معناه حتى يردهم إلى نعيم الجنة الذي نسوه، وإلى حظوظ أنفسهم وشهواتها التي نسوها، وليس ذلك إن شاء الله على معنى الاحتجاب عنهم الذي هو معنى الغيبة عنه حتى يكونوا له ناسين وعن شهوده محجوبين وإلى نعيم الجنة ساكنين، ولكنه سبحانه بلطفه يردهم إلى التنعم بما نسوة ولا يحجبهم عما شاهدوه حجبة غيبة عنه، ويدل على ذلك قوله: بقي نوره وبركته عليهم في ديارهم وإذا ارتفعت الحجب وزالت الموانع لم يكن بين نظر البصر وشهود السر فرق ولا بين حال الشهود والغيبة بون، بل تتفق الأوقات وتتساوى الحالات فيكون في كل حال شاهدا وبعين النظر والبصيرة ناظرا.

وروى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله سبحانه يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك يا ربنا وسعديك والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا ربنا وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك؟ فيقول أنا أعطيكم أفضل من ذلك، فيقولون يا ربنا وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدا (١) وقال تعالى: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَر} قال ابن عطية: ومعنى الآية أن رضوان الله أكبر من جميع ما تقدم، ومعنى الآية والحديث متفق، قال الإمام الفخر: وإنما كان الرضوان أكبر لأنه عند العارفين نعيم روحاني وهو أشرف من النعيم الجسماني، ومعرفة أهل الجنة مع هذا النعيم المقيم بأنه تعالى راض عنهم ومثن عليهم أزيد عليهم في إيجاب السرور. انتهى.

وأما النار فهي في اللغة الجوهر اللطيف المحرق وطبعها الارتفاع، وفي الشرع هي الدار المشتملة على عذاب العصاة في الآخرة نجانا الله منها بفضله ورحمته، وقد حذر الله سبحانه منها في غير ما آية من كتابه فوجب على العاقل أن يحذر مما حذره الله ويرحم بدنه الضعيف فإنه لا طاقة لأحد بعذاب الله والتعرض لغضبه، وقد روى ابن المبارك عن ميمون بن مهران أنه قال: لما خلق الله النار أمرها فزفرت زفرة فلم يبق في السماوات السبع ملك إلا خر على وجهه، فقال لهم


(١) صحيح البخاري، كتاب التوحيد، رقم الحديث، ٧٥١٨.