للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الغرقد فوقع على قبرين تربين فقال أدفنتم فلانا وفلانا، أو قال فلانا وفلانة قالوا نعم يا رسول الله، قال قد أقعد فلان الآن فضرب، ثم قال والذي نفسي بيده لقد ضرب ضربة ما بقي منه عضو إلا انقطع؛ ولقد تطاير قبره نارا، ولقد صرخ صرخة سمعها الخلائق إلا الجن والإنس ولولا تمريج في قلوبكم وترديدكم في الحديث لسمعتم ما أسمع، قالوا يا رسول الله وما ذنبهما قال أما فلان فإنه كان لا يستبرئ من البول، وأما فلان أو فلانة فإنه يأكل لحوم الناس، قالوا يا نبي الله حتى متى يعذبان قال غيب لا يعلمه إلا الله (١)). وهذا الحديث روي من طرق كثيرة مشهورة في الصحاح وغيرها، وفي أكثرها أنهما يعذبان في النميمة والبول، والظاهر أنه اتفق مروره بقبرين يعذبان أحدهما في الغيبة والآخر في البول، ومرة أخرى مر بقبرين يعذب أحدهما في النميمة والآخر في البول. والله أعلم. وفي رواية البخاري ومسلم: (مر بقبرين يعذبان فقال: إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير بلى إنه كبير، أما أحدهما فإنه كان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستبرئ من بوله (٢) وفي مسلم: (فدعا بعسيب نخل فشقه باثنين ثم غرس على هذا واحدا، وعلى هذا واحدا ثم قال لعله أن يخفف عنهما (٣)). ويحتمل أن يراد بالغيبة؛ الغيبة التي توجد في بعض صور النميمة؛ وهو أن يذكره في غيبته بما يسوءه قاصدا بذلك الإفساد فيحتمل أن يكون الذي يعذب في قبره كان ذلك وقوله: وما يعذبان في كبير؛ يعني في شاق تركه، وقيل في كبير عندكم وهو عند الله كبير، وقيل يعني بكبير: أكبر أي وما يعذبان في أكبر الكبائر، وفي رواية لا يستنزه من النزاهة؛ وهي البعد عن الشر، وفي رواية لا يستنتر؛ وهو الجذب، ومعنى لا يستبرئ أي لا يستكمل استبراءه، إذ قد يخرج ما ينقض وضوءه فيصلي بغير وضوء. عياض: وفيه أن قليل النجاسة وإن كان مثل رءوس الإبر كالكثير وهو قول مالك والكافة إلا ما خففوه من قليل الدم. انتهى.

واعلم أن النميمة هي نقل الحديث للغير على وجه الإفساد. وقال الإمام النووي: هي كشف ما يكره كشفه سواء كرهه المنقول عنه أو إليه أو ثالث، وسواء كان الكشف بالقول أو بالكناية أو


(١) مسند أحمد، ج ٥ ص ٢٦٦. ولفظه: ولولا تمزع قلوبكم أو تزيدكم في الحديث …
(٢) البخاري، كتاب الوضوء، رقم الحديث: ٢١٦.
(٣) مسلم، كتاب الطهارة، رقم الحديث: ٢٩٢.