للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المثال السابق لا يتقيد عود الإيلاء عليه فيها بطلاقها القاصر عن الغاية، بل كلما طلقها ثم أعادها لعصمته فإنه يلزمه الإيلاء فيها، فإذا طلقها أي عزة المحلوف على ترك وطئها طلاق البتات ثم تزوجها بعد زوج فإنه يكون موليا فيها ما بقي من عصمة زينب المحلوف بطلاقها شيء؛ وهكذا أبدا.

تنبيه: قال عبد الباقي عند قوله: لا لها؛ أي عليها، لخبر عائشة في بريرة (اشتريها واشترطي لهم الولاء (١)) أي عليهم. انتهى. وأشار بهذا إلى الحديث الذي في البخاري أن عائشة رضي الله عنها أرادت أن تشتري بريرة لتعتقها فأبى أهلها إلا أن يكون الولاء لهم، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (اشتريها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق) وفي هذا الحديث إشكالان أحدهما: أن اشتراط الولاء لهم مفسد للعقد لأنه مناقض للمقصود من البيع، ثانيهما: أن ظاهره الخداع حيث يشترط لهم الولاء ولا يحكم لهم به بدليل (إنما الولاء لمن أعتق) وأجيب عن الإشكالين بثلاثة أجوبة، أحدها: أن اللام بمعنى على نظير قوله تعالى: {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} أي عليها، وهذا الوجه بعيد لأن أهل بريرة كانوا كرهوا أن يشترط عليهم ذلك لأنهم أبوا عن بيعها بذلك إلا أن يكون الولاء لهم، ثانيها: أن معناه اشترطي لهم أو لا تشترطي، الشرط باطل على كل حال، فالأمر ليس على حقيقته، وفيه نظر؛ لأن هذا الشرط مبطل للعقد فلا يكون وجوده وعدمه سواء، ثالثها: وهو الأحسن أن الأمر سيق مساق الزجر والتغليظ وأن المقصود به النهي لما ألح أهل بريرة وأبوا إلا أن يشترط لهم الولاء، كقوله تعالى {فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ}. انظر حاشية الشيخ بناني.

وبتعجيل الحنث يعني أن المولي ينحل عنه الإيلاء بتعجيل مقتضى الحنث، كعتق العبد المحلوف بعتقه أن لا يطأ؛ ففي المصنف حذف مضاف، وينحل عنه أيضا بفوات دراهم معينة محلوف بالتصدق بها وبفوات زمن صوم معين كحلفه بصوم المحرم مثلا المعين لا وطئ زوجته زينب ستة أشهر مثلا أو خمسة ونحو ذلك ثم مضى المحرم ولم يصم، واعلم أن هذا ليس من تعجيل الحنث ولا من تكفير ما يكفر، وبإطلاق الحنث في المص على الخلوص من عهدة اليمين يشمل ما ذكر، ومن تعجيل الحنث طلاق المحلوف بها بتاتا، ومنه تعجيل صوم الزمن المعين أو


(١) البخاري، كتاب الهبة، رقم الحديث ٢٥٧٨. مسلم، كتاب العتق، رقم الحديث ١٥٠٤.