للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو استبرأ أب جارية ابنه عطف على ما لا استبراء فيه؛ يعني أن الأب إذا استبرأ جارية ابنه ثم وطئها ولم يكن الابن وطئها فإنه لا يجب عليه أن يستبرئها من وطئه الحاصل بعد استبرائها، بل له أن يطأها من غير استبراء، وقد وجبت عليه قيمتها؛ إذ بمجرد وضع يده عليها وجلوسه بين فخذيها حرمت على الابن، ولزمت الأب القيمة كان الأب موسرا أم لا، إلا أنها تباع عليه إن كان معسرا ولم تحمل، فإن حملت لم تبع، فلذلك لم تستبرأ لكونه وطئ مملوكة بعد استبرائها، وكذا لو استبرأها الابن ثم وطئها الأب. وقوله: "أو استبرأ أب جارية ابنه"، هو تأويل الأكثر على المدونة، وهو تأويل الخلاف. وتؤولت المدونة أيضا على وجوبه أي الاستبراء، أي تؤولت المدونة على أن الأب إذا وطئ جارية ابنه بعد أن استبرأها يجب عليه استبراؤها ثانيا إذا أراد وطأها ثانيا لفساد مائة، بناء على أنه لا يضمن قيمتها بالتلذذ ولو بالوطء، بل للابن التمسك بها في يسر الأب وعسره، وهذا التأويل هو الذي عليه الأقل من الشيوخ، وهو تأويل الوفاق، ومحل التأويلين إذا استبرأها الأب ابتداء، وأما لو وطئها ابتداء من غير استبراء فإنه يجب عليه أن يستبرئها من وطئه اتفاقا، وتحقيق ما أشار إليه المصنف أن ابن القاسم قال في المدونة ومن وطئ جارية ابنه فقومت عليه فليستبرئها إذا لم يكن الأب قد عزلها عنده واستبرأها؛ وقال غيره: لابد أن تستبرأ لفساد وطئه وإن كانت مستبرأة عند الأب، قال ابن القاسم: وكل وطء فاسد فلا يطأ فيه حتى يستبرئ. انتهى.

وأكثر الشيوخ حملوا قول ابن القاسم على أنه مخالف للغير، ففهموا قوله: إذا لم يكن الأب عزلها عنده واستبرأها، على أنه لو استبرأها قبل الوطء لا يحتاج إلى استبراء بعده، وهذا تأويل ابن رشد واللخمي وابن الحاجب، وهو طريق الأكثر، وخالف ابن اللباد وابن الشقاق وابن الكاتب الأكثر وحملوا قول ابن القاسم على موافقة الغير، وفهموا قوله: فليستبرئ إذا لم يكن الأب قد عزلها عنده واستبرأها، على أن المراد إذا قومت عليه فليستبرئها إذا لم يكن عزلها عنده واستبرأها بعد وطئه الفاسد؛ واختار هذا التأويل [ابن زرقون] (١) شيخ ابن رشد. وقد رد الأكثرون قول الغير بأن وطء الأب بعد الاستبراء ليس بفاسد لأنه يملكها بمجرد التلذذ. قال الإمام الحطاب: القول بفساد وطء الأب بعد الاستبراء لا وجه له، ألا ترى أنه لو تلذذ بها ولم يطأها


(١) في الحطاب ج ٤ ص ٥٦٨ ط دار الرضوان ابن رزق.