إلا أن يعم الخوف يعني أن محل الحرمة في مسألة السفتجة إنما هو حيث لم يعم الخوف، وأما إن عم الخوف أي غلب في جميع طرق المحل الذي يسير به المقترض غلبة يغلب بها على الظن الهلاك أو قطع الطريق فيجوز أي يؤذن؛ إذ هو مندوب كما في الشارح وحلولو تقديما لمصلحة حفظ النفس أو المال على مضرة سلف جر نفعا، فإن شك في الهلاك أو في قطع الطريق أو غلب لما في جميع طرقه بل في بعضه ولو كان غيره أبعد أو غلب في جميعه لكن بالنسبة لغيره لا له فإنها لا تجوز. انظر شرح الشيخ عبد الباقي. وقال المواق عن ابن عرفة في جواز قرض العين على قضائها ببلد آخر لخوف الطريق أربعة أقوال: جوز ذلك ابن عبد الحكم، ومذهب المدونة المنع، الباجي: وهو المشهور، وقال اللخمي قال عبد الوهاب: إن كانت المنفعة في السفاتج للمعطي لما يخاف من غرر الطريق لم يجز، قال اللخمي: يريد إذا لم يكن الهلاك وقطع الطريق غالبا فإن كان ذلك الغالب جازت ضرورة، وأجيزت صيانة للأموال كقول مالك في الكراء المضمون: يؤخر أكثر النقد. وقال: قد اقتطع الأكرياء أموال الناس وهذا هو الدين بالدين، فأجازه ليلا تهلك أموال الناس. انتهى.
وقال الشارح: ومما يمتنع أيضا دفع عين عظم حملها ليأخذ مثلها في بلد آخر، ومثل لذلك بالسفتجة وهي كتاب صاحب المال لوكيله في بلد آخر ليدفع إلى حامله مقدار ما تسلف منه ليدفع بذلك غرر الطريق ومؤنة الحمل، وهذا هو المشهور وهو مذهب المدونة، وقيده عبد الوهاب واللخمي بما إذا لم يكن قطع الطريق غالبا، فإن غلب استحب ذلك صيانة للأموال. وإلى هذا التقييد أشار بقوله:"إلا أن يعم الخوف"، واستدل القاضي واللخمي على ما قدماه بقول مالك في الكراء المضمون مقابل المشهور لمحمد بن عبد الحكم بالجواز، وحكى ابن الجلاب عن مالك الكراهة، فإن لم تحمل الكراهة على المنع كان قولا ثالثا، وكذا يكون قول عبد الوهاب واللخمي رابعا إن لم يجعل تقييدا. انتهى.
وكعين كرهت إقامتها صورتها أن يكون الشخص عنده ذات من نقد أو قمح أو غيرهما، وتكره إقامتها عنده خوف تلفها بسوس أو عدو أو غير ذلك، فإنه لما يجوز أن يسلفها ليأخذ غيرها لأنه سلف جر نفعا؛ لأنه إنما قصد نفع نفسه حينئذ، ومحل المنع مع الشرط أو العرف لا إن فقدا.