للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد مر أن الصحيح أن الأمر بالأمر بالشيء أمر بذلك الشيء؛ وهو الذي اختاره ابن رشد، فقال: والصواب أن الوليّ والصبي مندوبان مأجوران لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (للمرأة الخثعمية التي أخذت بضبعي الصبي وقالت: ألهذا حج؟ قال نعم، ولك أجر (١)). انتهى. وقال القرافي: الحق أن البلوغ ليس شرطا في الخطاب بالندب والكراهة خلافا لمن زعمه، إنما هو شرط في التكليف بالوجوب والحرمة. انتهى. واستدل من قال المأمور الوليّ فقط بالخبر: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع (٢)). فقال: لا ثواب للصبي على فعله. وإنما أمر بالعبادة على سبيل الإصلاح كرياضة الدابة لحديث: (رفع القلم عن ثلاث (٣) وعليه فقيل: ثوابه لوالديه، قيل: على السواء، وقيل: ثلثاه للأم. الجزولي: ويرده حديث: (إن الصبيان يتفاوتون في الدرجات في الجنة على قدر أعمالهم في الدنيا كما تتفاوت الكبار) ويؤيده قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: ٣٩]. انتهى. ابن راشد: الصحيح من الأقوال أن الصغير لا تكتب عليه السيئات، وتكتب له الحسنات. انتهى. قاله الشيخ عبد الباقي. وقوله: "لسبع" اللام بمعنى: عند؛ أي عند الدخول فيها كما مر.

وضرب لعشر يعني أن الوليّ يندب له أن يضرب الصبي على الصلاة عند الدخول في السنة العاشرة، واللام في قوله: "لعشر" بمعنى عند، كاللام في قوله: "لسبع"، فلا يعتبر وسط السنة ولا آخرها، بل يضرب عند الدخول فيها كما علمت. هذا هو الصحيح في المسألة. وهي نظير قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} [الإسراء: ٧٨]؛ أي عند مَيَلَانِهَا عن كبد السماء. وفيه: صلاة الظهر وصلاة العصر، وقال الزرقاني في قوله: لسبع؛ أي عند تمامها. وقوله: "وضرب لعشر"؛ أي ضربا مؤلما غير مبرح من ضربة إلى ثلاث إلى عشر، أو أزيد لاختلاف حال الصبيان في الانزجار إن ظن إفادته وإلا ترك؛ لأنَّ الوسيلة إذا لم يترتب عليها مقصدها لم تشرع، وَعُدِمَ انزجاره بوعيد أو


(١) رفعت امرأة صبيا لها فقالت يا رسول الله ألهذا حج؟ قال نعم، ولك أجر. مسلم، كتاب الحج، رقم الحديث: ١٣٣٦.
(٢) أبو داود، كتاب الصلاة، رقم الحديث: ٤٩٥. بلفظ: مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع. والترمذي، كتاب الصلاة، رقم الحديث: ٤٠٧.
(٣) رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المعتوه حتى يعقل. الترمذي، كتاب الحدود، رقم الحديث: ١٤٢٨.
- المستدرك للحاكم، ج ١ ص ٢٥٨. بلفظ: "رفع القلم عن ثلاث".