للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من ديننا أن يكون حكم لقطة أهل ملتنا مصروفا إلينا، وأما إذا لم يتحقق ذلك فكان القياس أن لا تدفع إلى أحبارهم وتكون موقوفة أبدا. وبالله التوفيق. فتأمله. والله أعلم.

وله حبسها بعدها أو التصدق أو التملك، يعني أن الملتقط إذا عرف اللقطة سنة ولم يعرف ربها فإنه يخير بين أحد أمور ثلاثة، إن شاء حبسها إلى أن يأتي ربها، وإن شاء تصدق بها عن ربها، وإن شاء تملكها، ويدخل فيه ما إذا تصدق بها عن نفسه، ومحل التخيير إذا كانت بيد غير الإمام وإلا فليس له إلا حبسها أو بيعها لصاحبها ووضع ثمنها في بيت المال حتى يأتي ربها، وليس للإمام التصدق بها ولا التملك لها، ولعل الفرق بينه وبين غيره مشقة خلاص ما في ذمته بخلاف غيره، ولذلك لا يجوز لرب الآبق بيعه إذا وجده الإمام حتى يقبضه منه، ويجوز بيعه إذا وجده غيره. قاله الخرشي. ونحوه لعبد الباقي والشبراخيتي، وقال التتائي: أو التملك لها أي يصيرها ملكا له يتصرف فيها بما شاء، وما ذكره من التخيير صرح به الجلاب ومثله لابن الحاجب، وقيل: يكره التملك وهو ظاهرها. انتهى. وقال المواق: قال اللخمي: ثبت في الحديث (عرفها سنة فإن جاء صاحبها وإلا فشأنك بها (١)) وفي الصحيح: (فاستنفقها (٢)) وفي النساءي: (فإن لم يأت صاحبها فهو مال الله يؤتيه من يشاء (٣)) وتضمنت هذه الأحاديث أن الحكم فيها بعد الحوز خلافه قبله وله أن يتصرف فيها لنفسه، والذي يقتضيه قول ابن القاسم في المدونة أن له أن يستنفع بها غنيا كان أو فقيرا، وقال ملك: في الذي اشترى كبة الخيوط من المغنم بدرهم فوجد فيها صليب ذهب فيه سبعون مثقالا إن له أن يحبسه لنفسه، قال ابن رشد: لأنه لما لم يمكنه قسمة ذلك على الجيش لافتراقه صار حكمه حكم اللقطة بعد التعريف واليأس من وجود صاحبها في جواز أكلها لملتقطها لقول النبي صلى الله عليه وسلم (فشأنك بها)، لأن مالكا إنما كره له أكلها بعد التعريف مخافة أن يأتي صاحبها فيجده عديما لا شيء له، ولو علم أنه لا يجد صاحبها أبدا لما كره أكلها، وافتراق الجيش في هذه المسألة كاليأس من وجود صاحبها


(١) البخاري، كتاب اللقطة، رقم الحديث ٢٤٢٩ - مسلم، كتاب اللقطة، رقم الحديث ١٧٢٢.
(٢) البخاري، كتاب اللقطة، رقم الحديث ٢٤٢٧ ومسلم، كتاب اللقطة، رقم الحديث ١٧٢٢.
(٣) سنن النسائي الكبرى، رقم الحديث ٥٨١١.