قال الشيخ ميارة: يعني أن القاضي يجلس للقضاء والفصل بين الخصوم حيث يليق ذلك وَيَصْلَحُ له، كان في بادية أو حاضرة، يعني فإن كان في بلد وحاضرة استحب جلوسه في المسجد، وهذا هو الذي روى ابن القاسم عن ملك رضي الله تعالى عنهما أنه قال: قضاء القاضي في المسجد من الأمر القديم إذا جلس فيه رضي بالدون من المجلس ووصل إليه الضعيف والضعيفة، وفي المدونة: قال ملك: القضاء في المسجد من الحق وهو من الأمر القديم لأنه يرضى فيه بالدون من المجلس وتصل إليه المرأة والضعيف، وروى ابن حبيب يجلس برحاب المسجد: وهذا أحسن لقوله صلى الله عليه وسلم: (جنبوا مساجدكم رفع أصواتكم وخصوماتكم). والمستحسن لأهل العلم في كيفية جلوسه أن يكون جلوسه مستقبل القبلة، وأن يكون متربعا أو محتبيا وعليه السكينة والوقار، وروى ابن المواز: لا بأس أن يقضي القاضي وهو متكئ، والذي ينبغي له أن يُجلِس الخصمين بين يديه كانا قويين أو ضعيفين، أو أحدهما قوي والآخر ضعيف، ويستحب في القاضي أن تكون فيه عبوسة من غير غضب، وأن يلزم التواضع والنسك في غير وهن ولا ضعف، ولا ترك شيء من الحق، وفي المجموعة وكتاب ابن المواز عن ملك: لا بأس أن يقضي القاضي في منزله وحيث أحب.
وفي تنبيه الحكام لابن المناصف: ويكره الجلوس للحاكم في داره، وقد أنكره عمر بن الخطاب على أبي موسى الأشري وأمر بإضرام داره عليه نارا، فدعا واستقال ولم يعد إلى ذلك، فإن دعته ضرورة إلى ذلك فليفتح أبوابها ويجعل سبيلها سبيل المواضع المباحة لذلك من غير منع ولا حجاب، والأحسن أن يكون مجلس قضائه حيث الجماعة وفي المسجد الجامع، إلا أن يعلم ضرر ذلك بالنصارى وأهل المال والنساء الحيض، فيجلس في رحبة المسجد، فإن دخل عليه ضرر بقعوده في المسجد لكثرة الناس حتى شغله ذلك عن النظر والفهم فليكن له موضع في المسجد يحول بينهم وبينه، وحيثما جلس القاضي المأمون فهو له جائز، وذكر أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى القاضي تميم بن عبد الرحمن ألَّا يقضيَ في المسجد، وبذلك أخذ الشافعي. ابن أبي زيد: واحتج بعض أصحابنا في قضاء القاضي بالمسجد بقوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا