للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كان هذا مراده ففيه نظر؛ لأن وقت التحمل إما أن يراد به وقت مخالطة الشاهدين للمشهود على خطه ومعاينتهما للكتابة وممارستهما لخطه، وإما أن يراد به وقت كتبهما أن هذا الخط خط فلان، كما إذا كتب وثيقة بذلك ووضعا عليها علامتهما وهما غير عدلين، ثم تراخى الأداء إلى أن صارا عدلين، وعلى كل احتمال فلا وجه لا شتراط عدالتهما وقت التحمل، وقد أطلق أهل المذهب منهم ابن رشد في مقدماته، ونصه: اعلم أن للشاهد في شهادته حالين حال تحمل الشهادة وحال أدائها، فأما حال تحملها فليس من شرط الشهادة فيها إلا أن يكون ذا صفة واحدة وهي الضبط والميز، صغيرا كان أو كبيرا، حرا كان أو عبدا، مسلما كان أو كافرا، عدلا كان أو فاسقا. اهـ. وتَتَبُّعُ عبارات أهل المذهب الموافقة لهذا يطول بنا جدا مع شهرتها حتى إنه مذكور في التحفة بقولها:

وزمن الأداء لا التحمل … صح اعتباره لمقتض جلي

فإن كان أشار إلى مضمون قول المختصر: وتحملها عدلا، فليس مما نحن فيه قطعا. اهـ. لم يباشر كبيرة هذا تبيين لحقيقة العدل؛ يعني أنه يشترط في قبول شهادة الشاهد أن لا يتلبس بكبيرة تلبسا لا تعرف له بعده توبة، ويمكن أن يؤخذ هذا من كلام المؤلف؛ أي لم يباشر كبيرة وقت أداء الشهادة؛ لأنه إذا تلبس بها وتاب وحسنت توبته ثم أداها لم يصدق عليه أنه متلبس بها، وهذا يغني عن قوله: فسق إلا أن يريد بالفسق ما كان بالجوارح الظاهرة، وبالكبيرة ما كان بالجوارح الباطنة كالحسد ونحوه. اهـ. وقال عبد الباقي: لم يباشر كبيرة أي لم يتلبس بها حال الأداء، بأن لم تقع منه أصلا، أو عرفت توبته، فإن لم تعرف توبته منها حينه فمباشر. اهـ.

تنبيه: قال الخرشي: وأفتى الشيخ الجزيري بأن من الكبائر نسيان القرآن بعد البلوغ، ويتأنس له بما قال الأبي في أحاديث فضل تلاوة القرآن في قوله عليه الصلاة والسلام: (تعاهدوا القرآن) (١): معاهدة القرآن محافظته وتجديد العهد به؛ أي واظبوا على تلاوته ليلا ينسى، هذا والأظهر أن


(١) البخاري: كتاب فضائل القرآن، رقم الحديث ٥٠٣٣ ومسلم، كتاب صلاة المسافرين (باب فضائل القرآن) رقم الحديث ٧٩١.