للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المراد تعاهدوا بالتلاوة خوف النسيان، لا تعاهده بالتدبر، وقد اختلفوا في قوله تعالى: {اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا}. هل هو من الهجر الذي هو الترك والبعد، أو هو من الهُجر بضم الهاء الذي هو الفحش من القول؟ كقولهم: هو سحر، وشعر، ومفترًى. فعلى الأول ففيه تنبيه للمؤمنين على معاهدة المصحف فإنه لا يترك حتى يعلوه الغبار، وفي الحديث: من علق مصحفا ولم يتعاهده جاء يوم القيامة متعلقا به يقول هذا اتخذني مهجورا وصَدَّ عني فاحكم بيني وبينه. وحديث: (بيس ما لأحدكم أن يقول: نسيت آية كيت وكيت) (١). على ما اختاره القاضي في تأويله، وحديث (لم أر ذنبا أعظم من آية أو سورة حفظها رجل ثم نسيها) (٢). فالأمر في تَعَاهَدُوا لِلْوُجُوبِ، لأن النسيان يتسبب عن عدم التعاهد، فهو حرام للزوم الوعيد عليه؛ فالتعاهد واجب، وإذا كان الأمر بالتعاهد خوف النسيان فالتعاهد المانع من الإثم كان ابن عرفة يقول: إنه ختمة في الجمعة، وأما تعاهده بالتدبر فختمة في الشهر، وهذا باختلاف الواقع يختلف باختلاف الناس. اهـ. قَالَ مُقَيِّدُ هَذَا الشَّرْحِ عفا الله عنه: كون تعاهدوا هذا القرآن على الوجوب إن أريد به مجرد التلاوة فقط غير ظاهر، وكذا فتوى الجزيري بأن من الكبائر نسيان القرآن بمعنى نسيان اللفظ فقط، إذ الذي يظهر في قوله تعالى: {أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى} وفي قوله صلى الله عليه وسلم: نظرت في ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من آية أوتيها رجل فنسيها. أن المراد بالنسيان ترك العمل بما فيها والإعراض عنها كحال المنافقين؛ لأن تلاوة القرآن مندوبة فقط، وَقَدْ قَالَ الْعَلَّامَةَ سيدي أحمد بن مبارك اللمطي: سألته يعني الشيخ الرباني سيدي ومولاي عبد العزيز الدباغ رضي الله عنه عن حديث المطلب بن حنطب عن أنس بن ملك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نظرت في ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من آية أوتيها رجل فنسيها. وقلت له: إن الترمذي نقل عن البخاري أن الحديث معلول، لكون المطلب بن حنطب


(١) البخاري، كتاب فضائل القرآن، رقم الحديث ٥٠٣٢ ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، رقم الحديث ٧٩٠.
(٢) البيهقي ج ٢ ص ٤٤٠.